أسبـاب مغفـــرة الذنــوب/ يوسف جمعة سلامة
أخرج الإمام الترمذي في سننه عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ:( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)(1).
هذا حديث صحيح أخرجه الإمام الترمذي في سننه في كتاب الدَّعوات، باب في فَضلِ التَّوبةِ والاستغفارِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ رحمةِ اللهِ لعباده.
من المعلوم أنه مَا مِنْ مُسْلمٍ إلاّ ويتمنّى أن يخرج من الدنيا وقد غفر الله له جميع ذنوبه، فكلنا بحاجة ماسة إلى مغفرة الذنوب والمعاصي التي نقترفها بالليل والنهار، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا أنْ هَيَّأَ لنا أسبابًا كثيرة للمغفرة، ما أَخَذَ بها مسلمٌ إلا عمَّه الله تعالى بمغفرته ورحمته، ولمّا كانت الحياة دار امتحان وابتلاء والإنسان فيها مُعَرّض للخطأ والصواب، فإن الله عزّ وجل لم يُغلق بابه في وجه التائبين ولم يُوصد رحمته أمام النادمين، بل تجاوز برحمته عن هفواتهم وشملهم بفضله وعفوه حين جاءوا إليه نادمين، ولفضله راغبين، ولرحمته ساعين، فما أعظم فضل الله وما أجمل عفوه.
وفي هذا المقال نذكر بعض أسباب مغفرة الذنوب والخطايا، ومنها:
التوبة النّصوح
عن أبي موسى–رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم–قال:( إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (2).
إنّ يدَ الله عَزَّ وَجَلَّ مبسوطة بالعفو والمغفرة لا تنقبض في ليل ولا نهار، تنشد مذنباً أثقلته المعاصي يرجو الأوبة بعد طول الغيبة، ومسيئاً أسرف على نفسه يرجو رحمة ربه، وفاراً إلى مولاه يطلب حسن القبول، كما جاء في قوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(3)، ورحم الله الإمام الشافعي:
تَعَاظَمَني ذنبي فَلَمَّا قرَنْتُه بعفْوِك ربي كان عفوُك أَعْظَمَا
كثرة السجود
عن ثوبان – رضي الله عنه- قال: سمعتُ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:( عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإنَّكَ لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إلا رَفَعَكَ الله بهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً)(4).
أخي القارئ الكريم: إنّ كل سجدةٍ تسجدها لربك في صلاتك تزداد بها منه قُرْباً، وتنال بها محبته ورضوانه، حيث يرفعك الله بها درجة وَيَحطّ عنك بها خطيئة.
إسباغ الوضوء
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم – 🙁 أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ؛ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ)(5).
جاء في كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم، في شرح الحديث السابق:(…كُلَّما شقت العبادة وتحملت النفس في سبيلها الصعاب كُلَّما عظم الأجر، من هنا يجمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاثاً من الطاعات، في كل منها مشقة وجهاد، إسباغ الوضوء بالماء البارد في الشتاء، وكثرة المشي إلى المسجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، بهذه الثلاث يمحو الله الخطايا ويرفع الدرجات)(6).
الأذكار عقب الصلوات المفروضة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ:( مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)(7).
قيام الليل
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الباهلي–رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ:( عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّــيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ)(8)، فلنحرص على قيام الليل ولنغتنم هذا الوقت؛ لنكون، إن شاء الله، من السعداء في الدنيا والآخرة.
الصلاة على النبيr
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ)(9).
الدعاء في ثُلُثِ الليل الآخر:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، ومَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، ومَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)(10)، فسبحان مَنْ وَسِعَ عفوه أهل السماوات والأرض.
الذّكر عند سماع الأذان
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَبِالإِسْلامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ)(11).
الصلاة في المساجد
عن أبي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 🙁 صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إِلا الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ)(12).
مجالس الذكر
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ-: فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيُهَلِّلُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيَسْأَلُونَكَ، قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لا أَيْ رَبِّ، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ! قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ- قَالَ-: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا– قَالَ-: يَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمْ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ)(13).
في هذا الحديث الشريف يبين الرسول- صلى الله عليه وسلم – أهمية مجالس الذكر وفضلها، وأنها خير المجالس لِمَا فيها من ذكرٍ لله سبحانه وتعالى وتسبيحه وتوبة صادقة إليه، وفي نهاية الحديث السابق تقول الملائكة: يا رب:(ويستغفرونك)، فما أجمل الاستغفار وأفضله؛ لذلك قال -عليه الصلاة والسلام-:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيه فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ“(14)، فيأتي الجواب الإلهي شافياً، والفضل عظيماً، (قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا)، ثم يظهر كرم الله العظيم وفضله الكبير الذي لا ينقطع كما ورد في آخر الحديث:”وله –أي العبد الخَطَّاء- غفرتُ“، ففضل الله كبير كما جاء في الحديث القدسي:”… يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً“(15).
فَلْنُبَادر أخي القارئ إلى الأخذ بأسباب مغفرة الذنوب قبل فوات الأوان،{أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(16).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الهوامش:
1- أخرجه الترمذي.
2- أخرجه مسلم.
3- سورة الزمر الآية (53).
4- أخرجه مسلم.
5- أخرجه مسلم.
6- فتح المنعم شرح صحيح مسلم 2/156.
7- أخرجه مسلم.
8- أخرجه الترمذي.
9- أخرجه النسائي.
10- أخرجه البخاري.
11- أخرجه مسلم.
12- أخرجه البخاري.
13- أخرجه مسلم.
14- أخرجه مسلم.
15- أخرجه الترمذي.
16- سورة النور الآية (22).