في ظلال المؤتمر الجامع…حقائق وجب التذكير بها/ حسن خليفة
…ونحن على مشارف أفق جديد في آفاق جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الواعدة بالخير والفضل والعلم والتقوى..، بهذا المؤتمر الذي ينعقد هذه الأيام، وهو محطة مهمة في التقييم والتقدير والتدبير واستشراف المستقبل؛ فإنه من الواجب التأكيد على بعض حقائق، على أهميتها وبروزها، فإن الغفلة قد تمنع من استحضارها ..
أولى تلك الحقائق: أن الجمعية صارت ـ بحمد الله تعالى ـ فضاء غنيّا بإنجازاته وتحقيق المطلوب منه، على وجه طيب وإن يكن منقوصا في بعض الجوانب، كما هو أنه فضاء قوي بحضوره، ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو جاهل أو غير مهتم..وهذا الحضور بالذات هو الذي تترجم به الجمعية حقيقة وجودها ومبرر قيامها، فنشاطها المنتظم الدائم الموصول هو أحد المؤشرات المهمة في كون الجمعية صارت بمثابة كيان راسخ في حياتنا: كيان دعوي ـ اجتماعي ـ إصلاحي ـ تربوي ـ ثقافي . مسموع الكلمة. يحتاج ذلك إلى الإغناء والتقوية والتطوير.
الحقيقة الثانية: أن عمل الجمعية ـ على مدار السنوات الماضية ـ أكسبها مصداقية وصدقية؛ بحيث صارت متقبّلة من كثير من الأطراف والجهات، رسمية وشعبية. وإنه على الرغم من السحب الداكنة التي تطل بين وقت وآخر، في سماء حياتنا الاجتماعية والسياسية والدينية والدعوية، ولأسباب مختلفة، فإن الجمعية حافظت على تلك الصلة الجيدة مع محيطها، وبتأثير من مصداقيتها كان القَبول أقربَ في التعامل معها، والدليل أن المرات التي وجدت فيها الجمعية بعض “الصعوبات” في إقامة نشاط أو عقد لقاء أو تنظيم فعاليات ..قليلة للغاية، وأحيانا تأتي لأسباب تتصل بالأشخاص القائمين على مصلحة معينة أو هيئة محددة (ولاية ـ مديرية ـ الخ..) وليس من أكثر من ذلك. وأتصوّر أن هذا البعد ينبغي أن يتعمق وينمو؛ لأن فلسفة الجمعية هي خدمة المجتمع الجزائري (أساسا) ثم غيره بعد ذلك، ولا يمكن ذلك إلا بوئام وتعارف وثقة بين الجمعية وباقي الأطراف.
الحقيقة الثالثة: ليس من اليسير، في ضوء ما نعرفه جميعا من ظروف وملابسات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية في وطننا، أن تحافظ الجمعية على استقلاليتها ـ وهو المشهود لها من المنصفين ـ وقد تُرجمت تلك الاستقلالية بإبلاغ الموقف والرأي والفكرة، في أوانها وبوضوح تام وصراحة لا لَبس فيها، كما تبدو بوضوح في التصريحات والأعمال والكتابات الناقدة التي لا تتردد (الجمعية)…من خلال أعضائها في التعبير عنها بوتائر مختلفة، وفي كل الأوقات.
الحقيقة الرابعة: أن بيئة الجمعية في عملها بصفة عامة، هي بيئة متنوعة ثريّة جاذبة، متعددة المستويات والأطراف، وهذا في واقع الأمر يجعل الجمعية ذات وهج خاص، يُضاف إلى أوهاجها الأخرى التي تميّزها عن غيرها من الجمعيات والكيانات؛ فالجمعية هي بيئة المثقفين الذين يتقاطرون إلى المشاركة في مؤتمراتها وملتقياتها، وبيئة الباحثين الذين لا يتردّدون في التضحية بأوقاتهم وجهودهم حين يتعلق الأمر بالجمعية، وهم يصرّحون في كل وقت وحين أنهم أبناء الجمعية بالقوة وبالفعل، والجمعية أيضابيئة النخَب بصفة عامة: أطباء، مهندسون، صيادلة، الخ، كما هي بيئة كل الشرائح الاجتماعية التي تجد في الجمعية الدفء، والعمل الطيب، والمرافقة، والتعاون…وينبغي أيضا تعميق ذلك وتعزيزه.
ولعل مقتضى الأمر في هذا الشأن خاصة هو أن يكون اجتهاد أعضاء الجمعية ـ من الرجال والنساء ـ أكثر فأكثر، لمزيد استقطاب ومزيد تشغيل، ومزيد تعميق التعاون والتناصح والتناصر في الخير والتقوى والصلاح. وهو ما تمّ التعبير عنه مرارا بخصوص استقطاب الطاقات والفئات العالمة والكوادر المقتدرة.
الحقيقة الخامسة: أن الجمعية بشكل ما هي الجمعية الأكثر فعالية وفاعلية في مجال العمل النسوي، فكتلتها النسوية هي أحد أكثر الكتل حضورا وعملا في المجتمع المدني الوطني؛ ولا يمكن للمتابع إلا أن يسجل ذلك الإقبال الكريم الطيب من الجزائريات، على اختلاف مستوياتهن واهتماماتهن، ويسجل بصورة أخص تلك التضحيات الكبيرة التي تقدمها هؤلاء الفاضلات من الأخوات والبنات، كل في مجالها، ولو كان الاهتمام ـ تنظيميا وهيكليا وتشغيليا ـ بهذا الأمر أكبر وأقوى مما هو لحققت الجمعية بكتلتها النسوية العجب العُجاب…ولارتقت، خاصة في مجال خدمة المرأة والأسرة والطفولة إلى مراقيّ يصعب إدراكها من أي هيئات أخرى، ولعل السبب وراء ذلك هو الشعور بـ (الرضا) الذي تبديه النسوة في عملهن في الجمعية، وشعورهن بتحقيق ذواتهن والدنوّ من طموحاتهن من خلال عملهن وجهودهن في التربية والتعليم والتكوين والمرافقة والإبداع والإشراف وسوى ذلك من الأعمال والجهود. وليس ذلك بدعا فقد كان اهتمام مؤسس الجمعية ـ رحمة الله تعالى عليه ـ بالمرأة اهتماما تترجمه تلك النظرة المتبصّرة الثاقبة في إدراك أدوار المرأة في الإصلاح والتغيير والتنشئة والإعداد.فهل يمكن أن يُعطى لهذا الأمر ما يستحقه من اهتمام دقيق وحقيقي للتكفل بأكثر من نصف المجتمع، من خلال التكفل بالأسرة، والمرأة والطفولة؟ نأمل ذلك..
الحقيقة السادسة: أن الجمعية على الرغم من كل ما يمكن أن يسجّل عليها من بطء وضعف في الأداء ـ وهي حقائق لا يمكن إنكارها، ولها أسبابها…لكنها (أي الجمعية) كانت فضاء واسعا للأفكار المختلفات، والرؤى غير المتجاورات، والمرجعيات المتعددات (على الأقل المرجعيات الفكرية..)، ولقد ضمت الجمعية في صفوفها الكثير من الأطياف والألوان، وفي الحدّ الأدنى كان التعايش والتفاهم متوفّرا والانسجام حقيقيا والتعاون قائما، ويندر أن نجد ذلك التنافر المهلك والتناقض المفرّق، والتنازع الشرّير…وذلك بفضل من الله تعالى وحده هو الذي أتاح للجمعية أن تسير وتتقدم وهذا الأمر الجليل الجميل مما ينبغي أن يُحافظ عليه لأنه ـ هو الآخر ـ من أوهاج الجمعية المشعّة ومميزاتها الساطعة: يظهرها ويقدّمها ـ للمجتمع ـ ككيان مضيء واسع عريض من الأفكار والرؤى والاتجاهات، لكنه متحدّ ـ في الحد الأوسط ـ يمضي إلى سبيل واحدة وهي خدمة الأمة في دينها وقيّمها ومبادئها وصيانتها من كل العلل والأمراض.فهل نحافظ على ذلك؟
للحديث بقية..