ماذا يريد أصحاب السترة الصفراء في باريس…؟/ محمد العلمي السائحي
هذا هو السؤال الذي يؤرق لا (مكارون) وحده، بل قادة أوروبا جميعا، خاصة بعد انتقال عدوى هذه الانتفاضة إلى دول أوروبية أخرى، ابتداء من بلجيكا، إلى هولندا، إلى بلغاريا، مرورا بألمانيا، ولا أراهم إلاّ يتساءلون فيما بينهم، هل ستتحول هذه الانتفاضة إلى ثورة؟ وهل ستطيح برئاسة ماكرون وحده فقط، أم تهوي بالجميع؟ وهل ستقضي على النظام اللبرالي الحالي؟ وتؤسس لنظام اقتصادي عالمي جديد؟ أي أن هذه الانتفاضة التي اتسع مداها، ووصل صداها إلى د4ول أوروبية كثيرة، هناك ما يشير إلى وجود احتمال قوي أن تتحول من مجرد انتفاضة مطلبية لفئة اجتماعية محدودة، إلى ثورة شعبية عارمة، ذلك لأن ( سياسة الرئيس ماكرون التي انتهجها دعما للصناعيين والاقتصاديين وتخفيف الأعباء عنهم لدفعهم إلى المزيد من الاستثمار، وكلها تصب في خانة التمدد العولمي، يذهب ضحيتها في الغالب المواطن العادي، إن لم نقل البسيط، لأن العبء الضريبي سيقع عليه كنتيجة حتمية لدعم التوازنات الاقتصادية الكبرى للدولة وميزانية الحكومة )1.
ثم أن هذه الانتفاضة الاحتجاجية التي أوقد شرارتها( مقطع فيديو نشرته على حسابها في موقع فيسبوك سيدة فرنسية تدعى جاكلين موراود، الذي نشر في 18 أكتوبر تتحدث فيه عن رفضها للسياسات الاقتصادية التي أقرها الرئيس الفرنسي مع الميزانية الجديدة لسنة 2019 أين ستكون زيادات في أسعار البنزين والضرائب التي لم تعد تتحملها القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي حسب رأيها)2. ليست لها قيادة تضع لها أهدافها، يمكن التنسيق معها، واعتمادها كوسيط يستعان به للتفاوض مع المحتجين والتعرف على مطالبهم، والاتفاق معهم على المطالب الملحة التي لا تقبل الإرجاء، والتي ينبغي على الحكومة الفرنسية أن تستجيب لها فوريا، وتلك التي يمكن تأجيلها إلى حين توفر الظروف المواتية لها.
كما أن عجز الرئيس ماكرون عن الوفاء بوعوده الانتخابية وفي مقدمتها خفض معدل البطالة في فرنسا الذي تجاوز نسبة تسعة في المائة وهو ما يعادل ثلاثة ملايين عاطل عن العمل، يجعل المواطن الفرنسي العادي ينظر إليه على أنه جاء لخدمة مصالح الطبقة الرأسمالية التي ينتمي إليها، لا لخدمة فرنسا العميقة وفئاتها الكادحة المحدودة الدخل.
وإذا أضفنا إلى ذلك سوء تعامل السلطة مع هذه الانتفاضة من البداية وما ولغت فيه من إصرار على المضي في تطبيق ما قررته من سياسة، ظنا منها أنها مجرد انتفاضة فئوية لا تلبث أن تخبو نارها وينطفئ أوارها، متغافلة عن احتمال أن تركب موجتها فئات أخرى تحس بالحيف والظلم، وتشعر بالإقصاء والتهميش.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المواطن الفرنسي البسيط بات يستاء من العناية والاهتمام الذي توليه الحكومة للسياسة الخارجية، والتي تصب في خدمة أهدا ف الاتحاد الأوروبي، على حساب القضايا الداخلية التي تستحوذ على اهتمام المواطن الفرنسي البسيط أكثر من غيرها، فإن هذه الانتفاضة تغدو فرصة مناسبة للفئات المتذمرة لتعبر عن استيائها، ورفضها لمثل هذه السياسة غير المتوازنة.
ثم هاهي هذه الانتفاضة التي بدأت كمظاهرة احتجاجية فئوية ترمي إلى مجرد المطالبة بإلغاء ضريبة الزيادة على الوقود، تتخلى عن مطالبها الاقتصادية وتنادي بمطالب سياسية منها: ذهاب الرئيس ماكرون، بل إسقاط النظام كله، أي أننا بتنا أمام ثورة حقيقية تريد أن تفرض منطقها على الجميع بالقوة، وبالنظر إلى انخراط فئات أخرى في تظاهراته، فإن ذلك يعني أنها آخذة في التوسع والانتشار، وذلك من طبيعة الثورات التي تبدأ في منطقة محدودة، ثم تتوسع وتنتشر حتى تشمل القطر كله.
ولعل هذه الانتفاضة الآخذة في التحول إلى ثورة تضع حدا نهائيا للعولمة التي فتحت الباب على مصراعيه للرأسمالية المتوحشة، التي تستبيح كل شيء في سبيل خدمة مصالحها وتنمية مكاسبها، ولو ترتب على ذلك موت الملايين جوعا، أو تشرد ملايين أخرى بفعل الحروب التي تشعلها هنا وهناك لا لشيء إلا للترويج لصناعتها العسكرية، لقد آن الأوان فعلا لتثور الشعوب وتعلن عن رفضها لمثل هذه النظم الاقتصادية التي تعيث في الأرض فسادا…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ فؤاد جدو هل تعيد السترات الصفراء هندسة الاقتصاد الفرنسي؟ الجزيرة نت
2ـ أحمد درويش هل يتحول شتاء باريس إلى ربيع أوروبي. مدونات الجزيرة. نت
.