وراء الأحداث

رفض شعبي وحرج رسمي من زيارة الأمير محمد بن سلمان للجزائر/ عبد الحميد عبدوس

أثارت الزيارة الليلية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للجزائر التي غادرها مساء الاثنين 3 ديسمبر 2018 تحفظا شعبيا، وجدلا في أوساط الطبقة السياسية والمجتمع المدني ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، ورفضا صريحا من طرف العديد من الشخصيات الدينية والأدبية والإعلامية، وشكلت الزيارة في هذا الظرف الحساس حرجا للسلطات الجزائرية التي سبق لها أن أدانت “بقوة الاغتيال المريع” للصحفي السعودي جمال خاشقجي، حتى إن صحيفة (واشطن بوست) الأمريكية نشرت مقالا اعتبر الزيارة إهانة لتاريخ البلد.

وإذا كان من بين أهداف زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للجزائر إعادة البريق الدبلوماسي لسمعته المتضررة، وكسر طوق الاستهجان الشعبي والرسمي الذي أصبح يحيط به بعد اتهامه بالتورط في اغتيال الصحفي الكبير جمال خاشقجي، عليه رحمة الله، فإنها لم تلق ترحيبا شعبيا كما توقع الجانب السعودي، وحتى الذين لم يعارضوا، ولو من الناحية البراغماتية، زيارة الأمير محمد بن سلمان للجزائر والتي رافقه فيها وفد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال السعوديين، أصيبوا بخيبة أمل من النتائج الهزيلة التي تمخضت عنها الزيارة في الميدان الاقتصادي والحصيلة السياسية الباهتة على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين.

وفي غياب الأثر الملموس للاتفاقيات الهامة، وتأخر تجسيد مشاريع توصيات اللجنة المشتركة الجزائرية السعودية، بذلت الوعود بسخاء من الطرف السعودي بتدفق الاستثمارات السعودية على الجزائر، إذ قال سامي العبيدي رئيس غرفة الصناعة والتجارة السعودي خلال أشغال مجلس الأعمال الجزائري-السعودي الذي انعقد بمناسبة الزيارة:” نتوقع تدفقات كبيرة للاستثمارات السعودية نحو الجزائر على أن يحوز القطاع الصناعي على نصيب الأسد، ونتوقع أيضا تفعيل استثمارات واعدة في القطاعين الفلاحي والسياحي”. كما وعد بأن تقوم السعودية بنقل التكنولوجيا إلى الجزائر حيث أكد “استعداد بلاده لتقديم الخبرات والتكنولوجيا والتقنية لنظرائهم الجزائريين في إطار تبادل الخبرات ومرافقة الاستثمارات”.

وكحصيلة لهذه الزيارة الشكلية الباردة صدر بيان مشترك لا يقل هزالا من محتوى الزيارة ، وتم الاتفاق حسب البيان المشترك:”على إنشاء مجلس أعلى للتنسيق السعودي الجزائري برئاسة ولي العهد من الجانب السعودي، ومن الجانب الجزائري رئيس الحكومة؛ لتعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتطرف، وكذلك في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والتعدين والثقافة والتعليم”، وتم تكليف وزيري الخارجية في البلدين لوضع الآلية المناسبة لذلك.

وفي ختام الزيارة لم يكن باديا للمتابعين والمراهنين على العائد الدبلوماسي والسياسي لجولة الأمير محمد بن سلمان أن الضغوط السياسية والاتهامات الإعلامية بتورط ولي العهد السعودي في الاغتيال الهمجي لجمال خاشقجي يوم 2 أكتوبر الماضي (2018) بالقنصلية السعودية قد اختفت أو تراجعت رغم استقباله من قادة دول ترتبط مع السعودية بعلاقات ودية وتاريخية، ما عدا اعتذار رئيس الجمهورية الجزائرية بسبب ظروف صحية، وقد زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ظرف بضعة أيام (من 22 نوفمبر إلى 3 ديسمبر 2018) 7 دول  هي: الإمارات، البحرين، مصر، تونس، الأرجنتين، موريتانيا، والجزائر،  وفي ختام هذه الجولة الخارجية لولي العهد السعودي التي أعقبت اغتيال جمال خاشقجي، اشتد الضغط السياسي والإعلامي خصوصا بعد إصدار القضاء التركي يوم  الأربعاء 5 ديسمبر الجاري مذكرة اعتقال دولية ضد شخصيتين هما من أقرب مساعدي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ويتعلق الأمر بكل من اللواء أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودية، وسعود القحطاني مستشار ولي العهد والمعروف بأنه قائد جيش “الذباب الالكتروني” السعودي، وإذا ما تم تقديم هذين الشخصين إلى العدالة في أي عاصمة عالمية فلن يبقى هناك أي حاجز بين الأمير محمد بن سلمان وبين المثول في قفص الاتهام.

لقد فتحت جريمة اغتيال خاشقجي ملفات ثقيلة ومحرجة في وجه السعودية، كانت جهود الدبلوماسية السعودية وجماعات الضغط  التابعة لها قد انصبت في السابق على إغلاقها مثل قضية اتهام السعودية بالتورط في أحداث 11سبتمبر 2001، ذلك ما ذهب إليه الباحث ستيفن كوك في مقال له نشرته مجلة (فورين بوليسي) يقول فيه :” إن الغضب على مقتل خاشقجي يبدو مرتبطا بالمهمة التي لم تنجز والمتعلقة بهجمات سبتمبر 2001…إن فكرة إفلات ولي العهد السعودي من جريمة القتل مع وجود إجماع على أنه هو الذي خطط وأمر بالجريمة سيزيد من الغضب. وما لم يحاسب على الجريمة فسيتحطم ما تبقى من أعراف إزاء هذه البلطجة الدولية التي تمثلها جريمة خاشقجي، وسيرى فيها المراقبون موسما مفتوحا لدى كل مسؤول أو زعيم يريد أن يجتاز المحظور”.

وليس هناك شك في أن دم الصحفي المغدور جمال خاشقجي سيظل يطارد قتلته ويلطخ سمعة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان، وبذلك يمكن تفسير الفشل الذريع الذي منيت به الجولة الخارجية لولي العهد السعودي على المستوى الشعبي في الدول العربية، بينما قدمت ضده من طرف النائب العام الأرجنتيني مذكرة مثول أمام القضاء في الأرجنتين التي زارها في إطار المشاركة في قمة العشرين.

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com