على بصيرة

الإعراب في قواعد منع صرف النقاب/ أ.د. عبد الرزاق قسوم

ما بال منظومتنا القانونية والتشريعية، جفت وجمدت، فلم تعد تبدع إلا الغريب من القوانين، والشاذ من العناوين.

فبعد بدعة إلغاء البسملة من الكتب المدرسية، واختزال المواد العربية والتاريخية والإسلامية، باسم الإصلاحات المدرسية، وبعد إغلاق أبواب المؤسسة التشريعية بالمغاليق الحديدية، هاهي ذي بدعة “قانونية” أخرى تخرج بها منظومتنا الوظيفية العمومية، ممثلة في منع ستر وجه الحرة الجزائرية.

إن إخضاع مثل هذه التصرفات كلها للتحليل الدستوري، والتشريع الجمهوري، يبين مدى عقم منظومتنا القانونية، وعجزها عن مواكبة التطور الإنساني، والفهم الصحيح للحكم القرآني.

فالحيرة التي أحدثتها لدى المواطنين والمواطنات من الجزائريين والجزائريات، منع ستر وجه المرأة بالنقاب، بسبب ما فرضه الوظيف العمومي، في المصالح الإدارية هو نوع من التعسف في تطبيق القوانين.

فعندما نقرأ هذا المنع للنقاب من جانب الوظيف العمومي في ضوء التعليمة الصادرة من الوزير الأول، نجد تناقضا واضحاً بين التعليمة الوزارية، والممارسة الوظيفية.

إلى جانب ذلك، نجد أن الدستور الجزائري يؤكد على حرية المواطن الجزائري، والمواطنة الجزائرية في التعبير والتدبير والتسيير، ما لم يخل ذلك بحرية الآخرين في تقرير المصير.

فأين الأذى الذي يلحق الوظيف العمومي من كشف الوجه أو ستره، أثناء أداء العمل؟ فهل نلزم في تشريعاتنا القادمة، منع المواطن “التارقي” من تغطية وجهه باللثام، كما توحي بذلك أعراف هذه المنطقة؟

وبغض النظر عن مدى شرعية تغطية وجه المرأة أو عدمه، فإن تطبيق منع النقاب عن وجه المرأة، هو مساس بحرية المواطنة من ناحية الأعراف الاجتماعية السائدة، ومن ناحية القوانين الدستورية الرائدة.

فما يسلم به الجميع من الناحية التاريخية أن المرأة الجزائرية، إلى غاية الاستقلال، كانت في معظم حياتها تغطي الوجه “بالعجار” كتمييز لها، عن المرأة الأوروبية المستعمرة.

ثم كيف يلجأ مهندسو الوظيف العمومي إلى تطبيق قوانين، لم يستشيروا فيها أهل الحل والعقد من علماء الدين، فإن كانت لديهم فتوى في ذلك، فلينزعوا النقاب عن وجوه أصحابها، ويبينوا لنا الأدلة الشرعية التي استندوا إليها.

لقد ذهب الشطط في هذا المجال إلى أن مست المنظومة الجامعية، فتطرد الطالبة المنقبة من طلب العلم، وهو إجحاف في حق التقاليد الجامعية القائمة على حرية الفكر.

ثم بالمقابل، هل انتهت كل مشاكل الوظيف العمومي في العمل على حسن التسيير ودقة الانضباط وتطبيق الفعالية، في معالجة قضايا المواطنين المعطلة لدى المحاكم والضرائب والجمارك والبنوك، وكل مؤسسات المعاملات، هل حلّت كل هذه المشاكل المعطلة ولم يبق إلا مشكل النقاب الذي  يستر وجه المرأة.

وهل بالمقابل، سيصدر الوظيف العمومي تعاليم، بضرورة اللباس المحتشم، لدى أداء الواجب الوظيفي في ستر ما يجب ستره، وانتقاء ما يجب لبسه، حتى يسود الحياء والاحتشام، بدل التفسخ وأنواع الضغوط على المرأة، أثناء أدائها لعملها في جو من التقدير والاحترام، كالتحرش الجنسي، والاغتصاب، وغير ذلك.

لا يا أيها السادة!

إن مشكلة المرأة في الوظيف العمومي أبعد وأعمق من مجرد ستر الوجه أو كشفه، إنها قضية إثبات وجود بدل أن تكون مجرد ستر للشفاه والخدود.

إن شعبنا الجزائري المسلم له أعرافه وقيمه ومبادئه، التي جبل عليها، ومن هذه الأعراف والقيم احترام المرأة بستر مفاتنها، والعناية بتثقيف عقلها، وتطوير خلقها، فما بالنا نترك الكليات ونلجأ إلى الجزئيات.

إننا نناشد من هذا المنبر، منبر الإصلاح المتميز بالاعتدال، والوسطية والانفتاح على المخالف، وتطبيق مبدأ التسامح، نناشد جميع الفاعلين في المجال القانوني، بأن يرتفعوا بالتشريع إلى مستوى إنساني أفضل، وإلى وعي وطني أكمل، وإلى تطبيق قانوني أعدل وأفضل.

فيكفي الوطن والمواطن ما يعانيه من مشاكل طحنته آناء الليل وأطراف النهار، حتى نشغله بما لا يعود على الأمة إلا بالوبال والخسران.

فأيا كانت نسبة المنقبات في وطننا، فإن حقهن في ممارسة هذه القناعة، حق يكفله الدستور والجمهور، وينتصر له كل مواطن مسلم غيور، لذا نهيب بالقائمين على الشأن الجزائري بأن يهبوا ويضعوا حدا لهذه البلبلة، التي أحدثها موضوع نزع النقاب، وليس له أي سند في قانون الإعراب.

نريد لبلادنا منظومة تشريعية وقانونية تحافظ على كرامة الناس رجالا ونساء، وتقضي على التمييز بين الجنسين في أداء الواجبات، والاستفادة من الحقوق والامتيازات.

إن شعبنا المسلم، كما يقول إمامنا محمد البشير الإبراهيمي قد يرضى بسوء التغذية ولكنه لن يقبل أبداً بسوء التربية.

فحذار من التعرض إلى ما له علاقة بالأعراق والأعراف والأشراف، ذلك أن ما يهم في حياتنا الوطنية، هو درء المفاسد، وضرب المفسدين بأيد من حديد، تكون نزيهة وعادلة، أما العناية بقواعد الممنوعات من الصرف في الإعراب، كقاعدة النقاب، فذلك هو الممنوع –أصلاً- من الإعراب، كما نقلنا ذلك عن الأقحاح من الأعراب؛ والله ولي الصواب.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com