العمل الجزئي والنظرة الشاملة!(1)/ علي حيليتيم
يخلط بعض الأخوة بين مستويات النظر والعمل في مسيرتنا الدعوية فيتهمون كل من يتجهون إلى عمل جزئي أو حركة جزئية بقصور النظر وعدم إدراك مستويات الصراع وأبعاده.
والحق إن من يتجه إلى العموم في عمله هو صاحب القصور في نظرته لأنه يريد أن يعمل كل شيء وهذا محال ولأنه ينظر إلى عمله النظرة الكلية وهذا لا ينبغي للمسلم الذي يعيش في عصر المؤسسات والهيئات، والمسلم لا ينظرإلى نفسه إلا على أساس أنه اللبنة التي تكمل البناء الإسلامي الموجود أو المنشود، وحين نقول النظرة الشاملة فإننا نقول ذلك لنفرقها عن الرؤية الشاملة. الرؤية الشاملة طرح علمي فكري يستغرق العمر كله ولا ينبغي أن يتجه نحوه إلا المفكرون المتخصصون المؤهلون لذلك ممن حباهم الله عز وجل العلم والحكمة، أما النظرة الشاملة فهي إدراك المسلم لتلك المعاني دون أن يكون قادرا على صوغها في المقالات أو التعبير عنها بالضرورة.
من مصائبنا أن غير المؤهلين دخلوا غير ميدانهم وغير الفرسان ركبوا خيولا من خشب وراحوا يقاتلون وحدهم في ميدان الوهم وما أسرع ما ينتصر من يقاتل وحده وما أسرع ما يشعر بالغرور من يركب حصانا من خشب.
(وأنا هنا لا أعني منشورات الفيس بوك التي هي حرية شخصية وإبداء للرأي الذي هو حق لكل أحد).
سوف نكون بخير حين يتجه كل المسلمين إلى عمل جزئي في إطار النظرة الشاملة التي ترى غيره من المسلمين اللذين يعملون عملا مختلفا على رباط غير رباطه لكنه ليس أقل شأنا ولا قدراً وحينها سننتقل من التعدد إلى التنوع والثراء.
هل احتقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من أصحابه وقال له أنت لست مهما لدعوتي ولست ذا شأن لمشروعي أو لست مدركا لأبعاده الزمنية أو المكانية أو الفكرية أو غير ذلك؟
قد نفهم النرجسية والغرور والانعزال في الأبراج العاجية والذهبية والأنانية وسوء الخلق من المثقفين الفرديين اللذين يعملون فقط لمجدهم ولسمعتهم ويدافعون فقط عن ذاتهم وهم يختبئون في كل ذلك خلف الواجهة الإسلامية، قد نفهم ذلك من هذا الصنف من الناس ونقبل منهم ذاتيتهم ونستفيد من طاقاتهم الفكرية وعطائهم الثقافي ونجعلهم جزءا من مشروعنا، لأن مشروعنا الفكري الإسلامي ليس ملكا لأحد وهو مشروع العالم وهو مشروع إقناع سبعة ملايير إنسان بالإسلام ونحتاج إلى ذلك لملايين المثقفين والدعاة والعلماء والأكاديميين من كل التخصصات ونقبل لذلك كل الناس لأننا مثل الناقصين ناقصون ومثل المقصرين مقصرون وَيَا ويح من يتصدر للدعوة للإسلام وهو لا يدري ضخامة المهمة ولا يفهم عن الشارع مراده ومقصوده وهو تكليف كل أحد أن يعمل في إطار جماعي مع أساس من نكران الذات وأساس من الفهم والعلم وأساس من الربانية وأساس من رجاء اليوم الآخر.
لو أردنا أن نعدد نقاط الضوء في مسيرة الحركة الإسلامية لوجدناها كثيرة متعددة ولكن هناك مطبات أخرى لا تزال تمثل عائقا أساسيا أمام استكمال المسيرة وقطف الثمرة، والعوائق الداخلية في نظري هي العوائق الوحيدة أمام تحقيق الأهداف المرجوة المنشودة.
من هذه العوائق أن الحركة الإسلامية لم تستطع أن تتجاوز في علاقاتها الداخلية مستويات التشنج والنرفزة والخصومية والنتوءات العاطفية التي تجعل نقاشاتنا لا تتجاوز مستوى استعراض العضلات وتسخين الدماء واستحضار المصطلحات الضخمة التي تعوض النقاش الهادئ إلى ساح نزال وتحول الكلمات إلى سيوف ورماح وسهام وتجعلنا ننشغل بتقييم وتقويم بعضنا البعض عن المهمة الكبرى وهي توسيع الدائرة وهزيمة الخصوم فكريا وسياسيا وإعلاميا، بل إن هذه المعارك تعطي خصومنا مادة دسمة يتندرون بها علينا ويشوهون بها ديننا ومبادئنا من خلال ممارستنا الخاطئة.
أضحك وملئي الأسى على المسلمين الذين يستنكرون أن يذكر أحدهم القرآن في منشور فيقولون له أين السنة وإذا ذكر السنة يقولون له أين القرآن وإن تحدث عن البخاري يقولون له لقد نسيت مسلما وإن ذكر الترمذي يقولون له لكن غيره أصح وكأن المنشور في نظرهم قسم دستوري يجب أن يتضمن كل شيء.
ما أضيق صدورنا ببعضنا وما أغلق عقولنا عن التنوع وقلوبنا عن السماحة، كأننا نخشى أن يستأثر غيرنا بالله دوننا!
ما عطل الإسلام إلا القيادات الصغيرة التي لا تدرك أن قوة الإسلام من قوتها وضعفها من ضعفه وأن قوتها هي إنما تكون حين تفهم وتعلم وتحول هذين إلى ربانية تتجاوز الذات الصغيرة إلى عوالم الجماعة والمؤسسة وبعد النظر الذي لا يمكن أن يقبل بالمناوشات الفئرانية داخل الصفوف بينما الإلحاد والخيانة والفجور يتقدمون بخطى واسعة كل يوم.
إن النظرة الكلية هي النظرة التي تدرك أن الاسلام لن يتقدم بالجدل بل بالعمل وأن الخلافات لن تحل بالخصومة بل بالمنافسة والتجاوز حيث ستنتشر الفكرة التي يحملها العاملون ولو كانت زائغة وتموت الفكرة الصواب حين يتولاها الخائبون ولو كانت وحيا.
ما أخيب من يعطل المسيرة بكسله ويشغل الصف بمعارك تفصيلية عن المواجهات المصيرية ولا يرى من نفسه حاجة للمسلمين لا في علم ولا عمل ولا قول.
…/… يتبع