معادلة الأسرة في رحلتها مع طفلها من ذوي الاحتياجات الخاصة/ أمال حملاوي زوجة السائحي
عقيدة المسلم هي رأس ماله، في دنيا مليئة بالاختبارات، فالحياة مدرسة، يتعلم المرء فيها الصبر عند الشدائد، الحِلم، تقبل الصعاب بصدر رحب…إلى غير ذلك مما تحمله الأيام في طياتها.
ولكن مما أصبح يرى عيانا في أيامنا هذه الكثير من المغالطات، ولم يعد المرء يتقبل ما وهبه الله من نعمة أو ابتلاء على أنه امتحانا له…نجح فيه أم رسب.
ففي ظل التطورات السائدة في مجال الطب، باستعمال أجهزة حديثة، تستطيع الحامل أن تعرف هل هي تحمل أنثى أم ذكرا، وكذا الصحة الجسمية والعقلية للمولود الجديد.. فالردود الفعلية للحامل أو للأسرة ككل تبدأ من فترة الحمل وقبل خروج الطفل إلى النور، حيث تسيطر على الأم المخاوف والشكوك، بمجرد إخبارها أن ابنها الذي تحمله معاقاً جسميا أو ذهنيا، فتتحسب لمواجهة مشكلات أثناء الولادة، وتتخوف فيما إذا ستكون الولادة طبيعية أم لا، وتزداد مخاوف الأم إلى أن يحين وقت الولادة، هذا إذا لم تراودها فكرة التخلص من هذا الجنين أصلا…لأن صدمة الأم أو الوالدين من جراء وجود طفل معاق في الأسرة تأخذ أبعادا طويلة المدى، حيث الإرباك والقلق، والتعبير عن الصدمة بعبارات عدم التصديق، وعدم معرفة كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف..وكيف سيكون هذا الطفل، وكيف التصرف معه في كل مجالات حياته؟
وقد يوجد من الأسر التي تتبنى هذه الفكرة، وتُسلم أمرها إلى خالق الكون والعالم بما في الأرحام، كما يوجد من ينكر أن يكون له ابنٌ معاقٌ في البيت، فتراهم يعزون الأمر لخلل في عملية التشخيص، ويبحثون خلال هذه الفترة عن مصادر أخرى تثلج صدورهم، وتنفي لهم أن ابنهم القادم معاق، ومنهم من يسلك طريق آخر وهو إجهاض الأم من غير تردد أو تفكير سليم، أو الرجوع إلى ما شرعه الله من الطبيعي، أن تتمنى كلُّ حامِلٍ طفلا سليما جسديا وعقليا، ولكن إذا قدّر الله، فلتعلم أنه يجب عليها أن لا تجعل ضغط البيئة الاجتماعية يأخذ معها منحنى آخر، لأنَّ هناك سلوك أسري يتمثل في إخفاء الإعاقة والابن معاً؛ مما ينعكس سلباً على الأسرة، التي تعتبر ابنها وصمةً اجتماعية لا تتناسب مع مركزها الاجتماعي أو مكانتها، أو حتى مع الأسرة بحد ذاتها.
والرأي الصواب من أجل مواجهة هذه الضغوطات والتخفيف من حدتها، على الأسرة أن تعلم علم اليقين بأن هذا قدر الله تعالى في خلقه إن كانوا مسلمين حقا، وأن يتقبلوا هذه النتائج بصدر رحب، وعوض أن يفكروا في التخلص من الجنين، عليهم الاجتهاد في إيجاد حلول عملية بالنسبة لهذا الطفل الذي ليس له أي ذنب.
وليس لهم أن يخجلوا من وجود طفل معاق في الأسرة، لأن ذلك قضاءٌ وقدرٌ من الله سبحانه وتعالى، وهو مما يجب أن نقبل به ونسلم له، وإن كتمان هذا الأمر والتستر عليه، سيدخل الأسرة في عزلة عن محيطها الاجتماعي، وسيفوّت عليها الاستفادة من الكثير من الفرص التي يحتاجها أفرادها، للتعايش والتواصل السليم، الذي تفرضه علينا طبيعتنا البشرية.
كما ينبغي عدم إلقاء الحِمْلَ على الأم وحدها فقط في تربية الطفل المعاق، بل على الأسرة كلِّها أن تساهم في ذلك، حيث أن المعاق بحاجة لمشاركة كل أفراد الأسرة صغاراً وكباراً، ليشعر بالدمج الكامل
من الجميل أن تضع المؤسسات أن تضع البرامج والخطط التي تسهم بفعالية في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على الاندماج في الحياة الاجتماعية وذلك عن طريق توفير المدارس المختصة في تعليم مختلف فئات المعاقين سواء كانت الإعاقة بصرية أو سمعية أو ذهنية، وتدعيم وتطوير صناعة الأطراف الصناعية التي يمكن أن تساعد كثيرا المعاقين حركيا، كما عليها أن تقدم دعما ماديا للأسر التي تضم من بين أفرادها معاقين حتى تتمكن هذه الأسر من تحمل عبء العناية بالمعاق والقيام بهذا الواجب في أحسن الظروف.
وعلى المجتمع أن يجتهد بدوره في إيجاد الأطر والهياكل التي تسهم في التكفل بهذه الفئات نفسيا وصحيا وماديا وتقديم الدعم الضروري والمناسب لإعاقتهم حتى يستكملوا تعليمهم وتكوينهم ويصبح بمقدورهم الانخراط في الحياة المهنية، على غرار ما هو واقع في البلاد الأخرى التي تعتبر إنسانية الإنسان وتقدس حقه في الحياة كيفما كان وضعه الصحي، ولا شك أن ضابط الإيمان والشرع هو الحاكم الأمثل في مثل هذه الظروف، ولله الأمر من قبل ومن بعد.