في رحاب الشريعة

التحديات التربوية في طريق تحبيب العلم والصلاة والقيم لأولادنا/ محمد مكركب

إذا كان ولدك لا يحب العلم، أو ليست له قابلية للتعلم، أو كان  متهاونا في القيام بالصلاة، أو غير مطيع للوالدين، أو أنه غير ملتزم بالقيم، كل هؤلاء يحتاجون إلى عناية خاصة في أساليب التأديب، والرعاية والتهذيب، فما هو الحل؟ أو كيف يتم التعامل مع هذه الفئات من أبنائنا؟ نحاول في هذا البحث التربوي النفسي الاجتماعي أن نجيب عن هذه التساؤلات، ولو بمقدمة وجيزة في هذا المقال، إن شاء الله، أما الدراسة الكافية الشاملة تقتضي بحوثا مركزة في النفس البشرية، خاصة عند المراهقين غريزيا، والمراهقين فكريا.

كيف نواجه هذه التحديات التربوية، وكيف نتغلب عليها بإذن الله؟ فعندما يبلغ الولد عشرين سنة ويظل تاركا للصلاة متمردا على الوالدين، أو يهجر المدرسة ويحاول أن ينقطع عن التعلم، أو يسقط في الظواهر المراهقية ويرفض القيم الإيمانية، هذه ظاهرة خطيرة على مستقبل هذا الشاب نفسه، وعلى أسرته، وعلى المجتمع.

أولا: البحث في خصائص النفس البشرية:

التعامل مع البشر ومنهم أولادنا يقتضي منا فهم خصائص النفس البشرية، حيث الأنفس مختلفة المزاج والطبيعة، ومن ثم فالناس يتفاوتون في الاستعداد النفسي والقدرات العقلية كما يختلفون في القدرات الجسدية، والعواطف المزاجية، ولذلك يختلف الأولاد في الاستجابة والتطاوع والتجاوب مع الوالدين ومع كل مرب. والمقصود بخصائص النفس هي الصفات، التي تتميز بها كل نفس خاصة، وهناك خصائص المشتركة، ونكتفي بذكر بعضها وليس كلها.

الخصيصة الأولى: الأنانية. فالنفس البشرية جبلت على حب الاستئثار بكل ما ترغب فيه وتهواه، ولذلك تحرص كل الحرص على أن تظفر برغبتها وتحاول أن تتحدى الجميع، لتحقيق رغبتها، وبسبب الأنانية، قتل ابن آدم أخاه ليفوز بمبتغاه ويستجيب لهواه:﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾(المائدة:30).

وهذه الخصيصة ندرك من خلالها جانبا مما تحبه النفس، وندخل منه برفق وبحكمة إلى نفس الطفل المشاكس، أو الشاب أو المراهق، نبين له بأن هذا الذي يدعى إليه يجعله متفوقا وبه يصل إلى تحقيق رغباته في سلم واطمئنان.

الخصيصة الثانية: الشهرة. فالنفس جبلت على حب الزعامة والقيادة وتكره الانقياد، وبسبب هذه الخصيصة كَذَّب كثير من الناس أنبياءهم، لأنهم ذاقوا الخوض في العتو والنهب وأكل أموال الناس بالباطل والتطاول عليهم نتيجة مناصبهم القيادية بغير وجه شرعي، كزعماء الفرق وزعماء الأحزاب، كما فعل الملأ من كل الأقوام الذين كذَّبوا الرسل، ومنهم كثير من الأحبار والرهبان ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾(التوبة:34).

ومن خلال هذه الخصيصة يخاطب المراهق خاصة، ويبين له كيف يكون الصعود الآمن إلى المراتب المشرفة، عن طريق البطولة النفسية، كيف يرتقي ويتقي، في بطولة:﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ونقول له: فاعلم أن استجابتك للتربية والتعليم وإقامة الصلاة هي من ضرورات العمل المطلوب الذي تنال به مرادك ومبتغاك.

الخصيصة الثالثة: الحرية. فالنفس تعشق الحرية تحب أن تفعل ما تشاء، وتكره النقد والمحاسبة:﴿ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ فهل استجابوا عندما شرح لهم؟ ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾(هود: 88)، فاسمعوا كيف قابلوا تواضع شعيب عليه السلام، وتجاهلوا ذلك البيان الواضح والخطاب الحكيم:﴿ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾(هود:91).

ونقود الطفل والغلام والمراهق المعاند، بمنهجية الاعتبار من قصص الأنبياء ونعلم أن ولدنا قد يصل في حين التوتر والفوران العصبي في سن المرهقة إلى أن يقول لأبيه أو مربيه: ما أقنعتني بتوجيهاتك وأوامرك، وما فهمت منك شيئا؟ فلا تقلق عليه أيها الأب، ويا أيتها الأم، ويا أيها المعلم، ولا تحزنوا، فإن بعض النفوس سهلة لينة وذكية، وبعض النفوس مشاكسة عابسة، أو قاسية يابسة.

وتأديب النفس البشرية بالقرآن الكريم والقرآن شفاء، ولكن مع القرآن والحديث، اشرح له هذه الأبيات للشاعر الشابي. (خلقت طليقا كطيف النسيم.. وحرا كنور الضحى في سماه. تغرد كالطير أين اندفعت.. وتشدو بما شاء وحي الإله. وتمرح بين ورود الصباح.. وتنعم بالنور أنى تراه. ألا فانهض وسر في سبيل الحياة.. فمن نام لم تنتظره الحياة) ولخص له المعاني وقل له: تحرك في النور، بوحي الله، وحاول أن تقتلع شوكة من طريق الناس وتغرس وردة وسر في سبيل الحياة، واعمل كل ما يحي ويبعث الأمل في النفوس.

الخصيصة الرابعة: الاستعجال. فالنفس تحب أن تصل إلى الهدف في قفزة واحدة، بين عشية وضحاها. خصيصة الاستعجال المفرطة في بعض الأنفس هي السبب في كثير من الانحرافات كالسرقة والاختلاس والشح والغش والكذب ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ (الأنبياء:37). خلق الله الإنسانَ عجولا، يطلب الشيء قبل أوانه، والعجلة مذمومة:﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ * اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾(ص:16/17) وقالوا عجل لنا نصيبنا من العذاب.

ثانيا: كيف نحبب لأبنائنا العلم والتعلم والصبر على البحث والمطالعة؟: توجد أساليب كثيرة نفسية معنوية، وعقلية، ومادية، نذكر منها:

1 ـ بالتشويق: نرغبه في أشياء مفيدة لم يكن منتبها إليها، والتشويق من الشوق، وهو نزع النفس إلى الشيء، أو تعلقها به، وتبصير الولد وتوجيهه إلى تعلم شيء صعب بوسائل مما يهيج الحب إلى الشيء، حتى تميل النفس إليه، حيث نعرض لهم بعض الاكتشافات العلمية، مثلا، أو نبين لهم بعض أسرار الأشياء من نباتات وتراب وغيره، حسب الفروق الفردية ومستويات الذكاء والأعمار. ومن أمثال المربين (علموهم وهم يلعبون).

2 ـ  بالرحلات: وهي الرحلات السياحية العلمية الاكتشافية مع المعلمين والأساتذة. ويعلمونهم كي ينظرون نظر التعلم، ويلاحظون ملاحظة التأمل والتدبر والتفكر. قال الله تعالى: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾(آل عمران:191)، وقال عز وجل:﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾(الغاشية:17/20).

3 ـ  بالتدريب: ومعناه: التمرين والترويض والتجريب، والتعويد. يقال تدرب، وتمرن، بالأمر وعلى الأمر، اعتاده وتعود عليه، وأتقن فعله. يتدرب على الصناعة والسير، وركوب الخيل.  ويتحقق التأثر الإيجابي في عمليات التدريب ولو بترديد قواعد وقوانين ونظريات، بأسلوب تربوي، أو آيات قرآنية، أو أقوال حسنة. ومن الآيات القرآنية:

– ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

– ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.

– ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

ومن الأقوال الحسنة:

-[رأس الحكمة مخافة الله] و[ما خاب من استخار ولا ندم من استشار لا عال من اقتصد] و[شفاء العي السؤال] و[الصبر مفتاح الفرج، والزهد غنى الأبد] و[بروا آباءكم تبركم أبناؤكم].

4 ـ بالقصص: ومنه شرح قصة هذا الحديث عن قيس بن كثير، قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء، وهو بدمشق فقال: ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا، قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا، قال: ما جئت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر] (الترمذي.رقم:2682).

ثالثا: كيف ندعو أولادنا إلى الصلاة ونحببها إليهم؟

1 ـ كيف نحبب لهم الصلاة؟ نعلمهم أسرار وحكم الصلاة، منها:

1 ـ نبدأ بتقريب مفهوم الإيمان لأذهانهم. بحديث [أعلمك كلمات…إلى آخر الحديث] هذا هام جدا في تعليم الصغار حقائق الإيمان.

2 ـ قصة خلق آدم وكيف أمر الله الملائكة بالسجود وكيف أن إبليس أبى..

3 ـ شرح كلمات الأذان.

4ـ قيمتا الركوع والسجود لله العلي الحكيم.

2 ـ تعليمهم آيات قرآنية: منها قول الله تعالى:﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾(لقمان:17)، ومنها قول الله تعالى خبرا عن إبراهيم عليه السلام:﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ﴾(إبراهيم:40).

3 ـ تعليمهم أحاديث نبوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ] (الترمذي:413). وفي الحديث:[الصلاة نور].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com