حضور الأسرة وغياب الدولة/ عبد العزيز كحيل
يريدون من الخطاب الديني أن يركّز على دور الأسرة في تحصين الأبناء وإصلاح المجتمع ويغيّبون دور الدولة تماما ويُعفونها من مسؤولياتها القانونية والسياسية والاجتماعية.
وماذا يمكن أن تفعل الأسرة في ظل العلمانية المتوحشة والتغريب الحثيث والإعلام المنحرف؟ ينطبق علينا قول الأول:
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال إياك أن تبتلّ إياك
انحراف الشباب، الجريمة المنظمة، حوادث القتل، المخدرات، الخمور، الفواحش…هذه هي يومياتنا في المدن والقرى والجامعات والثانويات والمتوسطات وغيرها.
الفتيان مسلحون بالسيوف والخناجر حتى في المدارس، المعارك المنظمة بين العصابات في الأحياء بالليل والنهار، المخدرات تُباع على الملأ، الخمر تسوق وتستهلك بحماية القانون، تبرّج النساء بلغ أوجهُ، الفساد هو سيد الموقف على جميع المستويات…هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع كما يعرف الجميع.
نعم، مصالح الأمن تقبض على بعض المجرمين والقضاء يودع بعضهم السجن ويأتي العفو الرئاسي فيخرجون مرفوعي الرأس ليعود كثير منهم إلى الجريمة في الأسبوع الذي يلي خروجهم كما تؤكد الإحصائيات الرسمية.
أصحاب “التحضر والرقي والديمقراطية” لا يؤلمهم شيء أكثر من حكم الإعدام…والذي لم يعد ينفذ منذ ربع قرن لأنه عقوبة قاسية جدا، أما ضحايا القتل – ومنهم أطفال صغار- فعلى الأسرة أن تحميهم !! بكلمة مختصرة تَخلي الأسرة عن مهامها هو الداء … وينساق الخطاب الديني حول هذا التحريف ليبرّئ مؤسسات الدولة أي ليديم عمر الدائرة المفرغة.
وهل تركوا الأسرة تؤدي وظيفتها؟ نفذوا مخططا محكما متدرجا وصل بالمرأة إلى هجر البيت واعتبار المكث فيه معرة كبرى، واعتبار دور الزوجة والأم المربية انتقاصا من قيمة المرأة، خدعوها بقولهم متحرّرة فتمردت على الرجل وعلى الدين والأخلاق والفطرة وأصبحت “رجلة” في لباسها وشغلها وهيئتها و…انحرافها، وكيف يستقيم الظلّ والعود أعوج؟
و ” الطيبون ” منساقون خلف الأوهام يركزون على دور الموعظة الباردة الرتيبة لتغيير الأوضاع، بمعنى موعظة لا تخدش العلمانية ولا التغريب، بل هي كلام مكرّر سطحي فحسب.
المواعظ لن تصلح شيئا ما دامت خطابا تبعيضيا يريد أن يعالج الفرع ويغمض عينيه عن الأصل، وحتى علاج الفرع لا يتعدى التناول بقفازات من حرير تفاديا لإغضاب “القوم” كما هو شأن أكثر الخطباء وأصحاب الدروس الدينية المرئية والمسموعة والمكتوبة.
لن يؤتي أي خطاب ديني أكله إلا إذا كانت مؤسسات الدولة والمجتمع معه على نفس الخط، أما إذا تمادت المدرسة والصحافة و”المجتمع المدني” توغل في العلمانية ومحاولة تغريب الأمة أكثر فأكثر فإنه لا معنى للترقيع الموكل للمسجد، وعلى الإمام صاحب الرسالة ألاّ يجاري هذا الوضع بل عليه أن يدخل خطّ الإصلاح بكل صدق وجرأة، يتحدث بوعي وعمق عن مسؤولية الدولة كما يشير إلى مسؤولية الأسرة، فذلك أفضل من الحلب في إناء العلمانية.