أضــواء على صدقـة الفطـر … وصلاة العيــد/ الدكتور يوسف جمعة سلامة
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ}[الأعلى: 14/15](1).
ذكر الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن في تفسير الآيتين السابقتين، “وروى عن أبي سعيد الخدري وابن عمر: أن ذلك في صدقة الفطر، وصلاة العيد، وكذلك قال أبو العالية، وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها، ومن سقاية الماء، وروى كَثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} قال: “أخرج زكاة الفطر”، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} قال: “صلاة العيد”، وقال ابن عباس والضحاك: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} في طريق المصلَّى{فَصَلَّى} صلاة العيد”(2) .
ها هو شهر رمضان المبارك قد قرب رحيله، ومضت أيامه، فما أشبه اليوم بالبارحة، فقد كنا في شوق للقائه، نتحرى رؤية هلاله، ونتلقى التهاني بمقدمه، وها نحن في آخر ساعاته، نتهيأ لوداعه، وهذه سنة الله في خلقه، أيام تنقضي، وأعوام تنتهي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فأحسنوا توديعه بالصدقة والزكاة كما أحسنتم استقباله بالصيام والقيام، ورحم الله القائل:
وَدِّعوا يا إخوتي شهرَ الصيام
بدمـوعٍ فائضـاتٍ كالغَمَـــام
وَاسلُوا اللهَ قبولاً في الختــام
فالكريـمُ مَنْ رجــاهُ لا يُضـام
زكاة الفطر:
من المعلوم أن زكاة الفطر فُرضتْ في السنة الثانية من الهجرة في رمضان قبل العيد بيومين، كما جاء في الحديث الشريف: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:” فَرضَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ”(3).
1/ الحكمة من مشروعيتها:
شُرعت زكاة الفطر لتطهير الصائم مما يكون قد وقع فيه من اللّغو وفحش القول ونحو ذلك مما لا يليق بالصائم ولا يفسد صيامه، ولإغناء الفقراء والمحتاجين عن السؤال في يوم العيد الذي هو يوم بهجة وسرور، كي يعمَّ الفرح والسرور جميع أبناء المسلمين، فلا يكون بينهم في هذا اليوم بائس أو مسكين يؤرقه همّ قوته وقوت عياله.
2/ شروط وجوبها:
زكاة الفطر واجبة على كل مسلم قادرٍ على إخراجها سواء أكان صغيراً أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، حُرًّا أم عبداً، كما جاء في الحديث الشريف: عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما : “أنّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَرَضَ زَكَاةَ الفِطرِ مِنْ رَمَضَانَ على النَّاسِ صَاعًا مِن تَمرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أو عَبدٍ، ذَكَرٍ أو أُنثَى مِنَ المُسلِمِينَ “(4).
3/ وقت إخراجها:
وقت وجوبها إدراك جزء من رمضان، وجزء من شوال، ويجوز إخراجها من أول شهر رمضان، ويستحب تأخيرها إلى أواخر شهر رمضان المبارك، والأفضل إخراجها قبل صلاة العيد ليتمكن الفقير من شراء ما يحتاجه في العيد لإدخال السرور على عائلته، لقوله – عليه الصلاة والسلام: “أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَوَافِ في هَذَا الْيَوْمِ”(5).
4/ الأصناف التي تخرج منها :
والأصناف التي تخرج منها زكاة الفطر هي الأصناف التي تكون طعام أكثر أهل البلد، لما روي عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) (6).
5/ مقدارها:
مقدار زكاة الفطر هو صاع من غالب قوت أهل البلد، وهو أربع حفنات بكفين معتدلين منظمين، ويقدر الصاع بحوالي (2176) جراماً، وقد جوّز الإمام أبو حنيفة إخراج قيمتها نقداً لأنها أنفع للفقراء في قضاء حوائجهم.
6/هل تجب على الفقير إخراج زكاة الفطر؟
يخرج الفقير زكاة الفطر مما يفضل عن قوت يومه وليلته، لأنَّ الأحاديث السابقة لم تستثن الفقير كما جاء في الحديث الشريف: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ الله تَعَالَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى) (7)، أي أكثر مما أخرجه في الزكاة لأنه بوصفه فقيراً سيتلقى أكثر مما أخرج.
وبهذه الفريضة النبيلة تتدرب النفوس- غنيُّها وفقيرها- على السخاء والبذل والتعاطف، وهي أمور ضرورية لرقي المجتمع في مشاعره وترابطه وتعاونه على الخير العام.
حكمة الأعياد:
ارتبطت الأعياد في الإسلام بمواقف مشهودة وعبادات جليلة، فهناك عيدان سنويان هما: “عيد الفطر”، ويرتبط بشهر رمضان المبارك، و”عيد الأضحى” ويرتبط بمناسك الحج المقدسة، فقد ورد في الحديث عن أنس -رضي الله عنه- قال: )قدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ)(8).
وقد شُرعت صلاة العيدين في السنة الأولى من الهجرة لقوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:2](9)، وللحديث السابق.
1/ وقت صلاة العيد:
اتفق الفقهاء على أنَّ وقت صلاة العيد هو ما بعد طلوع الشمس قدر رمح أو رمحين، أي حوالي بعد نصف ساعة من الطلوع إلى قبيل الزوال، أي قبل دخول وقت الظهر، ويستحب تعجيل صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر.
2/كيفيتها:
قال الإمام الشافعي في كتابه “الأم”: (وإذا ابتدأ الإمام صلاة العيدين كبَّر للدخول في الصلاة ثم افتتح كما يفتتح في المكتوبة، فقال: وجَّهت وجهي… وما بعدها، ثم كبّر سبعاً ليس فيها تكبيرة الافتتاح، ثم قرأ وركع وسجد، فإذا قام في الثانية قام بتكبيرة القيام، ثم كبّر خمساً سوى تكبيرة القيام ثم قرأ وركع وسجد كأيِّ صلاة) (10).
وقد استحب الإمامان أحمد والشافعي الفصل بين كل تكبيرتين بذكر الله مثل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر…أو ما شابه ذلك.
الجوائز والمكافآت في العيد:
لقد وعد الله من صام رمضان وقام لياليه بجوائز سخية يقبضها الصائمون في عيد فطرهم فرحين مستبشرين، لما روي عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلا إِنَّ رَبّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ) (11).
وفي هذا اليوم، يظهر الناس وقلوبهم مُتَحابة، وصدورهم مُتَصافية، وأيديهم مُتَصافحة، فتبدو أخوة المسلمين كأقوى رابطة وأوثق صلة، ومن المعلوم أن العيد في الإسلام مناسبة طيبة لجمع الشمل وصفاء القلوب، وبرّ الوالدين واجتماع الإخوة، ووسيلة للتعارف وصلة الأرحام.
إن العيد مناسبة مباركة، يجمع الله بها شمل المؤمنين، حيث يتقابلون في المساجد والمُصَلَّيات والأسواق والطُرقات فيصافح كلٌ منهم الآخر، ويتبادلون التهاني والتبريكات، ومن السُــنـَّة أن تقول لأخيك المسلم يوم العيد مهنئاً: (تَقَبَّلَ الله مِنَّا وَمِنْكُمْ)(12).
اللهم اكتبنا من عتقاء شهر رمضان…واكتبنا في قوائم الأبرار، تقبّل الله منا ومنكم الصلاة والصيام والقيام، وكل عام وأنتم بخير.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الهوامش:
1- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 20/21.
2- أخرجه ابن ماجه.
3- أخرجه مسلم.
4- أخرجه الدارقطني.
5- أخرجه مسلم .
6- أخرجه أبو داود.
7- أخرجه النسائي.
8- كتاب الأم للإمام الشافعي 1/270.
9- ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد .
10- أخرجه الطبراني.
11- ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد.
12- أخرجه الطبراني.