قضايا و آراء

قاوموا الاستبداد حتى لا يستشري فيكم الفساد…/ محمد العلمي السائحي

كثيرا ما يتداول الناس فيما بينهم المثل القائل:” سلطان جائر ولا رعية فاسدة” تعبيرا عن ضيقهم بالفساد الإداري، أو الفساد المالي، أو الانحراف القضائي، وهم يشيرون بذلك إلى حاجتهم إلى الإدارة السياسية الحازمة، التي بمقدورها أن تضرب على يد الظالم، وتقف في وجه المتعسف، وتتصدى للمرتشين، وتحرص على مقاومة أسباب الفساد الاجتماعي كيفما كان، بكل ما تملك من قوة وبأس، غير أن التاريخ القديم والمعاصر يشهد بفساد هذا الرأي، وينقض هذا الزعم، حيث أن استعراض الوقائع والأحداث التاريخية، على مر العصور، وتوالي الأحقاب، يكشف زيف هذا الإدعاء، ويدحضه تماما، بل يضع بين أيدينا العديد من الشواهد والأدلة التي تثبت أن جور السلطان مدعاة لانحراف الإنسان، واختلال البنيان، في أي مجتمع كان.

وهذا التاريخ الإسلامي يخبرنا أن الحجاج بن يوسف حينما ولي العراق واستبد فيها، شاعت فيها الفتن، ونقص خراجها بمقدار الثلثين، وهذا التاريخ المعاصر يخبرنا أن استبداد عبد الناصر في مصر كان سببا مباشرا لشيوع الفساد المالي في عهده، وذيوع الرشوة بين الناس، وهو يخبرنا كذلك على أن الاستبداد في العالم العربي، هو الذي كان وراء ظهور التطرف في هذا الاتجاه أو ذاك، وأن سقوط العراق، وانهيار اليمن، والاحتراب الذي نشهده في سوريا، ومصر، وليبيا إن هو إلا نتيجة الأنظمة السياسية فيها، بل إن الديكتاتوريات التي هيمنت هنا أو هناك في العالم سواء أتمثلت في نظام شاوشيسكو في رومانيا، أو بينوشي في أمريكا للاتينية، هي المسئولة عن المآل المخزي التي انتهت إليه تلك الدول.

وعلى العكس من ذلك كلما ابتعد السلطان عن الاستبداد بالرأي، والتعسف، والاستئثار بالسلطة والثروة دون الأمة، إلا استتب فيه الأمن، وشاع فيه السلم، وانتعش الاقتصاد، وازدهرت الحياة العلمية والثقافية، وحقق المجتمع تطورا ملحوظا، يشهد على ذلك شيوع الرخاء في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وإذن ليس صحيحا أن جور السلطان يحمي العباد، ويدرأ الفساد، ويحفظ البلاد.

ولعل الذي دفع الناس إلى الاعتقاد أن الفساد لا يقاوم إلا بالجور، هو: خلطهم بين الجور والحزم، فهم يظنون أنهما وجهان لعملة واحدة، أي أن الجور حزم، وأن الحزم جور، وهذا الربط تعسفي وغير صحيح البتة، لأن الجور وليد الاستبداد بالرأي، والإعجاب بالنفس، واحتقار الغير، واتهامهم بالعجز عن التفكير وسوء التدبير، وسوء الظن بالرعية، بينما الحزم غير ذلك تماما فهو: لا يلغي حاجة الحاكم إلى الاستشارة، بل إن استشارة الغير والاستعانة برأيه من تمام الحزم، فلا أشد حزما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يستشير الصحابة ويستعين برأيهم في السلم والحرب، وهذا أبو بكر الصديق كان يستشير إخوانه من الصحابة رضوان الله عليه عليهم جميعا، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما كان يقطع برأي إلا بعد الرجوع إلى أهل الحل والعقد من الصحابة المعاصرين له، ولعل ذلك مما ساعد الدولة الإسلامية على الاستقرار والمجتمع على التطور والازدهار.

وهذا ما يجعلني أدعو وبكل قوة إلى مقاومة الاستبداد حاضرا ومستقبلا، لأنه السبب المباشر، لاضطهاد العباد، ونشر الفساد وتضييع البلاد…

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com