الإسلاموفوبيا تقتل في لندن/ عبد الحميد عبدوس
هستيريا الغضب، ونحيب التفجع اللذان عادة ما يطبعان تغطية وسائل الإعلام الغربية لعمليات الدهس الإرهابية التي تستهدف مدنيين أبرياء، وسيل برقيات الإدانة من رؤساء الدول والحكومات والمنظمات والهيئات المنددة بتلك العمليات الإجرامية، لم يظهر لها اثر عقب الإعلان ليلة الأحد 18 جوان الجاري (2017م) عن عملية الدهس الإرهابية التي ذهب ضحيتها عدد من المصلين الذين خرجوا من صلاة التراويح بمسجد فينسبوري بارك بلندن.
لقد تعامل الإعلام البريطاني في غالبيته والإعلام الغربي مع الحدث وكأنه حادث سير عادي، ومنذ أن تبين أن ضحايا العملية هم من المسلمين اختفت شهية المتابعة الإعلامية لمعرفة هوية منفذ الجريمة وديانته، واسم المنظمة الإرهابية التي ينتمي إليها، ومن أي بلد جاء، وكيف دخل إلى أوروبا؟؟؟
بعد ما أصبح واضحا أن عملية الدهس هي هجوم إرهابي، تشاركت الصحف البريطانية في ربط الهجوم باسم رجل الدين المتطرف، أبي حمزة المصري، الذي كان يدير مسجد فينسبري بارك، الذي تم القبض عليه وتسليمه للولايات المتحدة عام 2012.
والأكثر من ذلك فقد ألقى مراسل شبكة (سي إن إن) باللائمة على الضحايا وادعى أن المسجد الذي يجتمعون فيه يشتهر بالسُمعة السيئة، وأنه اعتاد على استضافة “متطرفين يحملون السلاح”، على حد زعمه.
على غير العادة راحت بعض وسائل الإعلام البريطانية تبحث عن مبررات معقولة لتصرف الإرهابي دارين أوزبورن، وتتصل بمعارفه وجيرانه لتقديم بعض جوانبه الإيجابية للقراء، فاتصلت بعض الصحف بجيران منفذ الهجوم الذين قالوا عنه ” إنه كان رجلا ودودا، لكن مواقفه بدأت تتغير في الأسابيع الأخيرة”
وقالت صحيفة (التلغراف) البريطانية “إن منفذ الهجوم دارين أوزبورن البالغ 47 عاما من العمر، أعرب عن وجهات نظر عدائية متزايدة تجاه المسلمين في الأيام التي تلت الهجمات على جسر لندن الأخيرة في الآونة الأخيرة.”
هذا الجو من “التعامل اللطيف” مع منفذ الهجوم الإرهابي جعله يوجه ـ حسب شهود عيان ـ قبلات عبر الهواء إلى الصحفيين من داخل سيارة الشرطة نقلته إلى مركز التحقيق !
وعلى غير العادة أيضا لم تكن الشرطة هي التي طاردت الإرهابي، وألقت القبض عليه بعد تنفيذه للعملية الإجرامية ،ولكن جموع المصلين الذين حاول قتلهم هم من طاردوه ومنعوا فراره وألقوا القبض عليه، وحسب شهادات نقلتها جريدة (الخبر)، ” فان أول من قام بمطاردة الإرهابي هو شخص جزائري مقيم منذ عدة سنوات ببريطانيا، فبعد أن قام الإرهابي بدهس المصلين حاول الفرار، غير أن الجزائري قام بمطاردته ولحسن الحظ فان المركبة توقفت أمتار بعد ذلك فقام بتكسير الباب وإخراجه منها وألقاه أرضا ليلتحق به أشخاص آخرون، وهنا حاول عدد منهم الانتقام منه غير أن إمام المسجد تدخل وأقنعهم بالعدول عن ذلك”.
في تصريح لذات الشخص لشبكة (بي بي سي ) قال إنه ثبت المشتبه به لمدة تتراوح بين 20 إلى 30 دقيقة قبل وصول الشرطة. ولكن الشرطة أشارت إلى أنها استجابت “فوراً” حيث كان بعض العناصر في مكان مجاور فيما وصل عدد إضافي في غضون عشرة دقائق.
ورغم أن شهود عيان أكدوا أن سائق الشاحنة الذي تسبب في مقتل شخص وجرح 12 مصليا متعمدا هتف عند تنفيذه للهجوم: “أريد قتل كل المسلمين” إلا أن السلطات قامت بتحويل المشتبه به إلى المستشفى من أجل الكشف على “قواه العقلية” وهو إجراء قلما تم اللجوء إليه في العمليات السابقة حيث كان الموقوفون يعرض مباشرة على القاضي. مما حدا بمراقبين إلى القول إنها ربما تكن خدعة من أجل إفلات الجاني من العقاب. واستغرق الأمر أكثر من 48 ساعة حتى تتوصل الشرطة البريطانية إلى التصريح بأنه حسب معلومات أولية فإن منفذ الهجوم، هو بريطاني “يميني عنصري معاد للمسلمين والمهاجرين”.
جاء ذلك بعدما أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية السيدة تيريزا ماي أن الهجوم عمل إرهابي، واعتبرت منفذ الهجوم “ذئبا منفردا”، أي أنه لا يرتبط بأي تنظيم. وكان المسؤول البريطاني الوحيد الذي سمى الأشياء بمسمياتها منذ بداية إعلان الخبر هو عمدة لندن، صادق خان، الباكستاني الأصل ومسلم الديانة، والذي تحدث في اللحظات الأولى عن “عمل إرهابي مروع”.
ولعلَّ الجانب الإيجابي في هذه الحادثة المأساوية هو ما صرحت به رئيسة الوزراء البريطانية ” أن لندن تعتزم، على خلفية الاعتداء، إعادة النظر في استراتيجيتها بمجال محاربة الإرهاب، موضحة أنه من المقرر إنشاء لجنة جديدة خاصة بمكافحة جميع أنواع التطرف، بما في ذلك معاداة الإسلام. ”
وهكذا تم أخيرا،ع لى ما يبدو، التنبه من طرف السلطات البريطانية إلى أن الإرهاب يمكنه أن يطال رعايا مسلمين ويمكن أن تكون دوافعه معاداة الإسلام
!وإذا كان المسلمون في غالبيتهم العظمى يرفضون الأعمال الإرهابية التي تسفك دماء الأبرياء، وتزرع الأحقاد والعداوة بين البشر، رغم أنه يتم الربط دائما بين دينهم وبين الإرهاب بترديد مصطلح ” الإرهاب الإسلامي” فإن هم لم يلمسوا في اغلب الأحيان أي تنديد دولي بـ “الإرهاب المسيحي” أو “الإرهاب اليهودي” الذي يذهب ضحيته ملايين المسلمين في العالم، بل يكاد الأمر يتعلق بتواطؤ مسيحي يهودي على ” شيطنة الإسلام والمسلمين”.
وإذا كانت العالم الغربي المسيحي قد تصدى لظاهرة كراهية اليهود التي كانت منتشرة في أوساطه بإصدار قوانين في القرن العشرين الميلادي تجرم معاداة السامية والتمييز ضد اليهود، فإنه من الضروري لصيانة قيم أوروبا وأمريكا المتفوقتين حضاريا إصدار قوانين تجرم الإسلاموفوبيا ومعاداة المسلمين التي تنخر الروح الغربية في العقود الأولى للقرن الواحد والعشرين الميلادي. وقد تكون دولة كندا رائدة في هذا المجال، حيث أقر مجلس العموم الكندي بتشجيع كبير من حكومة رئيس الوزراء، جاستن ترودو، في شهر مارس الماضي (2017 ) مشروع قانون يمهد الطريق أمام إجراءات مستقبلية من أجل محاربة ظاهرة الخوف من الإسلام أو معاداة الإسلام. .ويدعو إلى “إدراك الحاجة للقضاء على مناخ الكراهية والخوف ولإدانة الإسلاموفوبيا وكل أشكال العنصرية والتفرقة الدينية الممنهجة”.وسيعهد، بحسب القانون، إلى لجنة برلمانية البدء بدراسة حول كيفية تعامل الحكومة مع موضوع الكراهية الدينية، ورفع توصيات حول ذلك في منتصف نوفمبر المقبل.