أقلام القراء

عن الذين أنشأوا إعلاما موازيا/ جمال نصرالله

  

إن لم تخنّا المقاييس، فإن الأزمة الأخلاقية في الجزائر بدأت تفرز مرارتها. وتقول كلمتها. بعد أن كانت مجرد شعار وفرضية تتداولها التصريحات والأقلام الكتابية بدليل ما نشهده حاليا من سقوط حر لعدة رموز (إن لم نقل عدة رؤوس) تِباعا…وهذا في حد ذاته يدل على حجم الميوعة والوقاحة التي وصلت بكثير من شبابنا على مختلف أعمارهم إلى هذه المحطات غير السوية وغير العقلانية..وإلا ما الذي يدفع بكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي للخوض في هذا المجال الذي لا وصف له سوى أنه يمس بأعراض وشرف الآخرين مهما كانت مناصبهم ورتبهم؟!..فهل بطرائق الكشف عن سقطاتهم وهم ينعتونها غالبا بالفضائح.كانوا قد حاربوا هذه الظاهرة أو تلك . والسؤال هل هم يمثلون العدالة ـ وإن كانوا كذلك فرضا ـ  لماذا توجد لدينا أجهزة ومؤسسات قضاء وعدالة، ومن خوّل لهم القيام بهذه المهمات، لأنه حتى الإعلام الجزائري الذي ينشط بطرق شرعية وفي كثير من الحالات يتجنب مثل هذه الحالات ويتحاشاها، لأننا شاهدنا كم من صحيفة أو قناة ظلت متابعة قضائيا من طرف هذا المسؤول أو من طرف هذه الشركة والمؤسسة أو حتى الأفراد العاديين؟! فالذين تقمصوا هذه الصفة وانتحلوها راحوا ينشئون إعلاما موازيا على طريقة الأسواق الفوضوية الموازية التي تنشط دون سجلات تجارية أو بصفات قانونية..وفي النهاية اختلط الحابل بالنابل، وتشابكت الأمور وأصبح حجم تأثير الرداءة حتى لا نقول الشرور أكبر بكثير من حجم الانضباط والجدية ومعالجة الأمور بطرق موضوعية وليست ابتزازية؟! هدفها الرئيس هو جمع الأموال بأية طريقة، ولو نظرنا إلى العالم اليوم لوجدنا بأن هذه الظاهرة قلما تجد لها من أثر اللهم إلا من طرف أو اثنين حيث يتم متابعتهم والقبض عليهم بسرعة فائقة ؟! لكن في الجزائر هذه الظاهرة عمّت واتسعت لتصبح هواية ومصدرا لرزق الكثير ممن يعتقدون أنفسهم أذكياء وأن الضحايا لا مناص لهم سوى الرضوخ والقبول بالأمر الواقع، وحسبنا بأن هذا وقد قلناه مرارا بأن التكنولوجيا إن حدث وأن سقطت بين أياد مخربة ونفوس شريرة أفسدت الكثير من محطات العيش الهانئ والسلمي، وبالعكس إن تحركت ونشطت تحت سلطة نفوس وعقول مهذبة ساهمت في البناء والتبصر، وأن المجتمعات غير المؤهلة لاستيعاب هذا النوع من التقدم العلمي هي فعلا مجتمعات بدائية ظلت تعاني من مجموعة عقد يصعب حتى على العلماء حلها وتفسيرها، وبقدر استشراء هذه الآفة استشرى الوباء الحاد فهي عند أطراف أخرى مدخل مهم لفهم طبيعة التفكير لدى الأفراد الذين يسارعون ومن حيث لا يشعرون في إفراز رغباتهم الهدامة والشريرة..والتي كانت فيما مضى عبارة عن طاقات مشحونة تنتظر لحظة خروجها وبروزها للوجود من أجل التأثير والإشباع الذاتي..وها قد جرى وحدث ما كانت تأمله ..لكنها للأسف ما أدركت بأنها ستدفع الثمن في يوم من الأيام..لأنه كما يقال لكل فرعون موسى..ومهما بلغت أنت أيها الشاب من دهاء وحنكة تأكد بأنه هناك من هو أذكى منك ويملك الآلية لتوقيفك عند حدك ومحاسبتك وهذا على مقاس يوم لك ويوم عليك..إن على المرء صراحة أن يتأسف أيما تأسف حيال هذه الظاهرة التي لا تختلف عما يحدث في عمق المجتمع من حوادث أخرى متشابهة ولا تختلف إلا في الطريقة كالإجرام والعنف اليومي في الساحات والباحات وداخل الملاعب وداخل الأسر والبيوت. وصدق الشاعر حقا يوم قال:

العلم يبني بيوتا لا عماد لها * والجهل  يهدم بيوت العز والكرم

وهذا ما ينطبق على واقعنا اليوم نظير ما نشاهده ونسمعه من تحرشات واصطدامات، وكلها فعلا بسبب الجهل المتفشي.والذي لا يعني بالضرورة الأمية التي هي عدم القراءة والكتابة، ولكن جهل وظلامية العقول وعدم حسن التفكير والتدبير.

شاعر وصحفي جزائري

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com