سحر الكلـمة /أ. محمد الصالح الصديق

كنا في حفل ببن طلحة بالجزائر العاصمة مساء يوم الجمعة 29 نوفمبر سنة 2013م بمناسبة تكريم أستاذين تخرج على أيديهما جيل من أهل العلم، تولوا مناصب مرموقة في مختلف أجهزة الدولة، وكنت جالسا عند أستاذ درس في تونس ثم العراق ثم تولى التدريس في شتى المعاهد في الجزائر وهو الآن متقاعد يقضي نهاره في مطالعة ومشاهدة التلفاز وزيارة الأقارب والأصدقاء واستقبالهم. وقد حدثني في هذه الجلسة عن ذكرياته الجميلة في كل من تونس وبغداد والجزائر، وذكرياته بخصوص بعض من قادة الثورة كالعقيد عميروش والعقيد أعمران والرائد عبد الرحمن ميرة. وعن بعض أساتذته في تونس والعراق كالصدقاوي بشير بن يوسف في تونس والشاعر نازك ملائكة ببغداد.
ولما رأيت أن هذه الذكريات إذا كتبت ونشرت كان لها أثرها ووقعها اقترحت عليه أن يهتم بها، وبصرته بفائدتها وشجعته ووعدته بمساندته ومعونته فانشرح لها وانبسط، ووعد بالشروع في كتابتها في الغد، وأبدى أسفه مما مضى من الزمن دون أن ينتبه لأهمية هذه الذكريات فيهتم بها.
وكان بجانبي الأيسر أستاذ في السابعة والثمانين من عمره، قضى جلها في التدريس، سمع ما حدثني به الأول، وسمع ما وعدني به فقال له: أفي هذا الوقت من العمر تعد الأستاذ بإنجاز عمل مثل هذا؟
إن ما بقي من عمرك وأرجو أن يكون طويلا، لا يحتمل إجهاد الفكر في صوغ العبارة وتتبع الأحداث عبر عمرك الطويل بالتحقيق والتدقيق.
إن وقتك الآن ينبغي أن تعمره بتلاوة القرآن والعبادة والمطالعة الخفيفة، وتغتنم بعضه للراحة والتفسح.
فشعرت بحماسة الرجل قد خمدت وأن كلمتي الفاعلة فيه قد اختفت لتحل مكانها كلمة الأستاذ، وهكذا يفعل التثبيط فعله ويحول النهار إلى ليل والعرس إلى مأتم وينزل بالهمة إلى الدرك الأسفل.