هذا العجب مما يقع في بلاد العرب!/الدكتور عمار طالبي
لم نر مثل هذه المقاطعة، وهذا الحصار في التاريخ الإسلامي القديم والحديث وبمثل هذه الحدة وقطع نسيج الأسر الخليجية، وتشريدها، بل تشريد الإبل والأغنام، وموت بعضها في الصحراء عطشا، ونصبا.
حيل بين المرء وزوجه، وأولاده، وحرمت الأمهات من أبناء أكبادها، وهذا فيما أعتقد لم يحسب له حساب عند قرار الحصار والمقاطعة، فالسياسة عند العرب فقدت رشدها، وتاهت بها السبل في صحراء الضياع، وأصبح بعضها أقرب إلى اليهود ووصلهم منه إلى أمته العربية الإسلامية وولائها.
وأعجب ما سمعناه في وسائل الإعلام أن المطالبة ذهبت إلى منع أن يكون لتركيا المسلمة وجود في الخليج ورحبت بقواعد أخرى عسكرية لأمم أجنبية عن العرب والمسلمين، ورضيت بها أي رضا!
هذا التيه في صحراء السياسة ومتاهات التعامل مع الأشقاء أدى إلى هذا الضرب من قطع الأرحام التي أمر الله بها أن توصل، وأفتى بعض أهل الفقه الذين لا يتقون الله بتزكية قطع الأرحام، وتشريد الأطفال والنساء والضعفاء من الشيوخ والرجال.
فما أفضل السكوت في هذا التيه، والصوم عن الكلام الحرام، وقطع الأرحام بين الأقارب من الأنام، فما الذي يستفيد من هدم مجلس التعاون الخليجي الذي بناه التاريخ والجغرافيا، وفوق ذلك الدين والتوحيد؟ وأمة الرحمة من الرحمة، وأواصر الأخوة الإسلامية والقومية؟ ألا يرى العرب كيف يراد بهم اليوم ما أريد بهم بالأمس من سياسة سايكس – بيكو، وتقسيم وطنهم من جديد، وتمزيق ما بقي من نظم ودول إلى فتات آخر للإبقاء على نفوذ الآخرين وسلطانهم، وسلب أموال الأمة وأراضيها، ووضع قواعد عسكرية روسية وأمريكية في أوطانهم من جديد وإبعاد أي تعاون إسلامي حقيقي، وهنا نقول أين منظمة التعاون الإسلامي؟ وأين جامعة الدول العربية مما يحدث؟ فما معنى وجود هذين الهيكلين، كأنهما صنمان من أصنام الكلدانيين في عهد إبراهيم عليه السلام، لا ينطقون ببنت شفة ولا يتحركون.
فأين إبراهيم ليجعلها جذاذا .
والأعجب من ذلك أننا نرى تقاربا واضحا من بني إسرائيل، ولعل ذلك تمهيد لعودتهم إلى المدينة المنورة وإلى خيبر، وبناء حصونهم من جديد يظنون أنها لهم مانعة، ونسي العرب والمسلمون بيت المقدس، وفلسطين، ورضوا بالهوان، طالبين ود اليهود ويرقصون معهم في احتفالات صاخبة، مغنين ومنشدين بشعارات الحب الولهان، ووساوس الشيطان التي أفقدت العرب والمسلمين رشدهم إلا من رحم ربك.
فيا لله للأرحام، والأخوة ! ووحدة الأمة! أمِن الصهاينة، واطمأنوا، وانشرحت صدورهم ودعوا جهارا نهارا إلى التطبيع مع العرب وما يسمونه بالدول السنية المعتدلة ! وما هي بسنية ولا معتدلة ! هل تحكم الأجيال القادمة على العرب اليوم بخيانة الأمانة، وخذلان الأمة، وتضييع المقدسات؟ وانتهاك حرمة دين التوحيد؟ وموالاة أعداء الأمة؟
فأين العلماء الذين يحملون هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وينهون عن المنكر والشر كما يفعل العلماء الربانيون الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ولا استبداد مستبد، فهذا ما قصد إليه شيخ العرب والمسلمين في كتابه “طبائع الاستبداد“، رحمك الله يا عبد الرحمن الكواكبي فقد نبهت وأرشدت فأين الواعون لدعوتك المستجيبون لندائك؟