غير مصنف

فصل الصحراء الجزائرية في السياسة الاستعمارية الفرنسية في دراسات جزائرية تجسيد سياسة دوغول “من دانكيرك إلى تامنراست وطن واحد هي فرنسا”/ سعدي بزيان

إن إحداث وزارة كاملة باسم وزارة الصحراء يندرج ضمن سياسة الحفاظ على الصحراء في كنف الجمهورية الفرنسية وفصلها عن الجزائر ولا مجال للتفاوض حولها لأنها فرنسية، بلا جدال فالقانون الدولي مع فرنسا في هذا الموضوع.

يذكر د-العربي الزبيري في مداخلته التي وردت في هذا الكتاب “أن الجنرال دوغول قال لكبير المفاوضين الفرنسيين لوى جوكس Louis JOXE  وهو يسدي له النصائح في الطريق إلى لقاء المفاوضين الجزائريين: إن الصحراء حيلة قانونية وطنية ليس لها أي أساس تاريخي، وقد دعم لوي جوكس مقولة دوغول بقوله:”إن الصحراء في حد ذاتها لم تكن لها أية علاقة مع الجزائر لا تاريخيا، ولا جغرافيا ولا عرقيا”.

إن الجنرال دوغول يدرك في قراءة نفسه “أن الصحراء جزائرية” ولكن بالحيلة والألاعيب السياسة يمكن أن تصبح فرنسية، فهو يناور من أجل الحفاظ على الصحراء في كنف سلطة فرنسا أو على الأقل تحتفظ فرنسا بمصالحها التي حددها دوغول شخصيا “حرية استغلال البترول والغاز”،

وحرية التصوف في المطارات، والطرقات، وأما الواقع فيؤكد أنه لا يوجد جزائري واحد لا يرى أن الصحراء يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من الجزائر” ويعترف د-الزبيري أن دوغول بلا شك أحد رجالات فرنسا العظماء، ودوغول هذا هو الذي رسخ في أذهان البعض أنه منح الاستقلال للجزائر، أما الذين يستنطقون التاريخ ويدركون مغزاه فهم يدركون أن المسؤول الأول على مجازر 8 مايو 1945 لا يمكن أن يتحول إلى محرر للشعب الجزائري. ألم يكن الجنرال دوغول بذاته هو الذي كتب إلى المقيم العام بالجزائر قائلا:”عليكم أن تتخذوا جميع الإجراءات الضرورية واللازمة لقمع كل الأعمال المناهضة الصادرة عن أقلية من المشاغبين، وكيف يمكن الركون إلى شخص مثل دوغول الذي يحلم دوما  بالحفاظ على مستعمرات فرنسا وأمجادها؟ وقد راهن على الجزائر ووظف كل عبقريته للحفاظ عليها. وقد أسند قيادة معركة التخلص من جيش التحرير وتحقيق النصر لفرنسا للجنرال شال، ولاشك أنه عبقرية عسكرية فرنسية كان دوغول ينتظر منه تحقيقه النصر وهزيمة جيش التحرير وكسب المعركة نهائيا لفائدة فرنسا، ولم يتحقق ذلك، فقد وسع جيش التحرير دائرة معاركه، بل نقل معاركه إلى الصحراء ليثبت للقادة العسكريين الفرنسيين أن جيش وجبهة التحرير لا يفرطان في شبر واحد من التراب الجزائري هذا على الصعيد العسكري أما على الصعيد السياسي فقد كثفت جبهة التحرير من اتصالاتها بالدول المجاورة تحذرها من مؤامرة الاستعمار الفرنسي ومخططاته الجهنمية قصد الإجهاز على الثورة الجزائرية وضرب وحدتها الترابية، وقد كلفت فرنسا نائب الواحات الشيخ حمزة بوبكر لينشط في مجال تحقيق فصل الصحراء عن الجزائر وتنصيبه رئيسا على الجمهورية المزعومة، ويقول د-العربي الزبيري أن الشيخ بيوض أجهض العملية في مهدها، ووضع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية على علم بمخططات الشيخ حمزة بوبكر وتفاصيل مشروعه، وهو الذي كان يسعى لأن يحظى بمنصب رئيس جمهورية الصحراء، ولما فشل في ذلك كافأه الاشتراكيون بتعيينه على عمادة مسجد باريس من طرف رئيس الوزراء غي موللى الاشتراكي وبموافقة روبير لاكوست المقيم العام في الجزائر وهو أيضا من الحزب الاشتراكي، في حين لقيت جبهة التحرير دعما من ملك المغرب الحسن الثاني الذي أعلن تأييده للشعب الجزائري في الاستقلال والوحدة الوطنية، وسلامة التراب الوطني الجزائري وضد كل محاولة تسعى لتقسيم أو بتر للأراضي الجزائرية، كما أيدت الحكومة الليبية بدون تحفظ باسم الشعب الليبي الشقيق الحكومة الجزائرية في سبيل وحدتها الترابية بما في ذلك الصحراء، وتوالت تأييدات الدول الإفريقية، مالي- غانا-غينيا-للحكومة الجزائرية.وعبر الشعب الجزائري من جانبه في مظاهرة صاخبة في يوم 5 من شهر جويلية 1961، بتوجيه من جبهة التحرير الوطني الجزائري- فقد واجه الجزائريون في مظاهرتهم هذا الرأي العام الفرنسي والعالمي معبرين عن رفضهم الكامل للمساس بوحدة التراب الوطني وسيادة الجزائر على كامل أرضها، وأبدوا كامل الاستعداد بتقديم مزيد من الضحايا دفاعا عن وحدة الجزائر وسلامة أرضها شماله وشرقه وغربه وجنوبه لا تنازل عن شبر من تراب الوطن الذي سقي بدماء الشهداء.

وفي الدورة الثالثة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية المنعقد في طرابلس في 9/18/1961 عبر المجلس عن مساندته التامة لموقف المفاوضين الجزائريين من أجل الدفاع عن سلامة ووحدة التراب الوطني بما في ذلك الصحراء ومن أجل إحباط المطامع الاستعمارية وعقب ذلك صرح مودينا كيتا رئيس جمهورية مالي خلال مهرجان شعبي في العاصمة باماكو قائلا:”إن حكومته تعارض بشدة المشروع الاستعماري الرامي إلى إحداث جمهورية في الصحراء على حساب الدول الإفريقية المجاورة”. وبعد ذلك بأيام قلائل انعقد في بلغراد مؤتمر الدول غير المنحازة وشاركت فيه الثورة الجزائرية كطرف أساسي، وعبر المؤتمرون بكل وضوح عن تأييدهم المطلق لحق الشعب الجزائري في استرجاع سيادته على كل أجزاء ترابه الوطني بما في ذلك الصحراء، ووسط هذا الضغط العالمي والتحرك الفعلي والفعال لجبهة التحرير وجد دوغول نفسه مرغما على التخلي عن عجرفته وتصلبه ومؤامراته وخضع للأمر الواقع –وبادر إلى عقد ندوة صحفية بتاريخ 5/9/1961 أي عشية اختتام مؤتمر دول عدم، وأعلن أنه يعترف بسيادة الجزائر على الصحراء، وقد جاء هذا الاعتراف على مضض منه إذ وجد نفسه تحت ضغط الرأي العام الجزائري والرأي العالمي ولاشك أن الدبلوماسية الجزائرية الفتية استطاعت أن تحشد وراءها الرأي العام العالمي لإفساد مخططات دوغول الرامية إلى بتر جزء من التراب الوطني وهي الصحراء وإنشاء جمهورية صحراوية يضع على رأسها عملاء فرنسا الذين باعوا ضمائرهم ووطنيتهم مقابل مقعد في جمهورية وهمية.

دوغولويون يعارضون دوغول في اعترافه بالصحراء جزائرية!!

ما كان الجنرال دوغول وهو أحرص من غيره للحفاظ على الصحراء يسلم بذلك بسهولة لولا ضغط الرأي العام المحلى إذ عبر الجزائريون في مظاهرتهم بأنهم يرفضون أدنى مساس بوحدة التراب الوطني وسيادة الجزائر، كما أن الدول الإفريقية المجاورة آزرت الجزائر في مواقفها- إلا أن المتطرفين من بعض زمرة الديغوليين آثروا رفض سيادة دوغول وخاصة ميشال دوبري الديغولي المعروف والذي اختلف مع دوغول فيما يتعلق باعتراف دوغول بتقرير المصير للشعب الجزائري، ولهذا نجد دوبري غير موافق على اعتراف دوغول بأحقية الجزائر على الصحراء، وأضحى هو وجاك سوستيل يرددان أمام دوغول: بأن بترول الصحراء لفرنسا مجرد حلم بدون صحراء فرنسية، في حين نرى وزير الصحراء ماكس لوجان، يتلفظ بكلام يحاول فيه أن يبدو كمنظر للاستعمار الفرنسي في الجزائر وهو على أية حال من أساطين الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا ينافسه في ذلك سوى سوستيل ولاكوست وميشال روبري يقول ماكس لوجان  محاولا أن يوهم الناس كما ذكرنا كفيلسوف ومنظر “إن الصحراء قد جعلتها الجمهورية الثالثة أرضا فرنسية برضى سكانها، وجعلتها الجمهورية الرابعة أرضا خصبة تعتبر بما تضمنه لنا من استقلال اقتصادي نجاحا لعبقرية وشجاعة الشعب الفرنسي، وإذا كان استفتاء يوم 8/1/1961 قد فتح الطريق لتقرير مصير السكان الجزائريين فبأي حق يتصرف دوغول في مصير الصحراويين.

وفي نهاية المطاف تبخر حلم دوغول، وماكس لوجان، وميشال دوبري، ولاكوكست، وسوستيل، وفلتت الصحراء من أيديهم وعادت إلى أهلها من أبناء الجزائر، ولعن أولئك الخونة من الذين كانوا يحلمون بالجلوس على عرش جمهورية الصحراء، وناوروا وهددوا وتوعدوا فخسروا أنفسهم وخسروا معهم الصحراء، فقد برهن جيش وجبهة التحرير على الصمود والتصدي للمؤامرة الكبرى التي حاكها دوغول ووزراؤه، ويذكر المرحوم د-إبراهيم مياسي المختص في قضايا الصحراء أن الاستعمار الفرنسي تعامل مع الصحراء في البداية كمكتشف لأدغالها تمهيدا لاحتلالها، وتم احتلال الصحراء ولما باحت بأسرار بطونها وما تزخر بها من ثروات سال لعاب الاستعمار وعمل كل ما في وسعه لإحكام السيطرة عليها والحفاظ عليها.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com