حُسن الجوار ولو في بطن الأرض/ محمد الصالح الصديق
مات شيخ في إحدى القرى بمنطقة زواوة، فرفض ابنه أن يدفن بجوار شخص اشتهر بالظلم والجور، وسوء الخلق، وخيانة الوطن، والإدمان على الخمر والمخدرات، مخافة أن يتأذى فيه بأذى جاره، فأنكر عليه قوم هذا التصرف، وقالوا: إن التأذي بسوء الجار إنما هو في الدنيا، أما في الآخرة فكل امرئ مع عمله الخاص به، يتنعم به أو يتأذى، ولا دخل ذلك لجاره، ومن هنا فلا بأس ولا ضرر أن يدفن المؤمن الصالح التقي بين ذوي الكفر أو العصيان!
وقد كان لهذه الحادثة أثرها السيئ في النفوس، بما أثارت من أحقاد وأظغان، وهيأت لفتنة بين أقارب الميتين، ولكن الله سلم لتدخل العقلاء في القضية وقضوا على الفتنة في مهدها!
وقد جاءني بعد أيام من الحادثة أحد هؤلاء العقلاء، الذين أطفأوا النار، فروى لي القصة كما هي، وسألني إذا كان لموقف ابن الميت أصل في الكتاب أو السنة، أو أنه مجرد تصرف تلقائي دفعت إليه العاطفة!
فقلت للرجل أن له أصله في السنة النبوية، فقد أخرج أبو نعيم وابن منده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين: فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء“!
ومعنى التأذي التألم، فإن المؤمن الصالح يتألم بجار السوء، وإن لم يصبه من عذابه، وقد جاء في (البدائع) لابن القيم: قال جماعة من الناس: إذا ماتت نصرانية في بطنها جنين مسلم، نزل ذلك القبر نعيم وعذاب، فالنعيم للابن والعذاب للأم، وقال: ولا بُعْد في ذلك، كما لو دفن في قبر واحد مؤمن وفاجر، فإنه يجتمع في القبر النعيم والعذاب!
وقال أبو العلاء المعري رحمه الله:
رُبَّ لحد قد صار لحدا مرارا * ضاحك من تزاحم الأضداد
والأضداد المتزاحمة، المؤمن والكفار، التقي والفاجر، السعيد والشقي، وهنا درس جدير بالاعتبار وهو أن الجار السيئ منبوذ، مكروه، مرغوب عنه سواء أكان على ظهر الأرض أم في باطنها، وأن الجار الحسن محبوب مرغوب فيه، ولذا قيل: سل عن الجار قبل الدار!