دعاة الإعلام…/أ.عبد القادر قلاتي

المتابع الحصيف للواقع الفكري والثقافي في عالمنا العربي والإسلامي، يدرك بيسر واقع العمل الإسلامي، الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمجال الإعلام، فأصبح الداعية رجل إعلام بامتياز، فالعلاقة التي تربطه بالواقع الإسلامي، لا تظهر إلاّ من خلال وسائل الإعلام، فتراه يقدم برنامجاً خاصاً به، أو مشاركاً في برنامج عام، أو ضيفاً في برنامج حواري، فهو في ميزان الإعلام، رجل إعلام، وهو عند المتلقي والمشاهد لا يخرج عن هذه الصفة. منذ سنوات حدثني أحد الدعاة المشهورين في بلادنا، أنَّ شابة أوقفته في أحد المراكز التجارية لتسلم عليه، وقدمت له دفتراً صغيراً، ليكتب لها كلمات مع إمضائه، وهي معذورة بهذا التصرف لأنَّها لا تعرف هذا الداعية إلاَّ من خلال برنامج تلفزيوني شهير، وقد يكون هذا الموقف حدث مع الكثير من الدعاة ممن أصبحوا وجوها إعلامية.
لكن أسوأ وضع وصلت إليه الدعوة الإسلامية والمنتسبون إليها؛ هي ظهور تيار جديد ينتسب للدعوة الإسلامية، لكن يقوم على رؤية مختلفة تماماً عن تلك التي عهدناها وعرفنا بها وظيفة الداعية الإسلامي، خصوصاً في أدبيات التيار الإسلامي الحركي، فهذا التيار -المسمى بالدعاة الجدد- يقوم مشروعه أساساً على الإعلام، ولا يرى مجالاً أخصب -لنشر أفكاره ورؤيته الجديدة للدين والتدين- من وسائل الإعلام، فقام هؤلاء باقتحام القنوات الفضائية، وبدأت أفكارهم تجد لها قبولاً عند الجيل الجديد، واكتسب هؤلاء شهرة منقطعة النظير، حتى أصبح منهم من يستقبل في المطارات كما يستقبل الزعماء والحكام، ولا يقبل أحدهم دعوة لإلقاء محاضرة بائسة حول موضوع قتل بحثاً واستوعبه حتى أطفال المدارس، لا يستجيب إلا بدعوة خاصة من أكبر هيئة سياسية في تلك البلاد التي وجهت الدعوة لهذا الداعية الفحل، كما حدث مع عمرو خالد الذي لم يقبل دعوة وجهت إليه لزيارة الجزائر، حتى جاءته من رئاسة الجمهورية، وجاء هذا الداعية البائس، وألقى محاضرة بائسة، في وقت يموت علماء كبار لا يعرفهم هذا الجيل، ولا يعرفهم حتى من يقودون الواقع الثقافي في بلادنا. منذ أكثر من شهر توفي في باريس المفكر الجزائري الكبير، علي مراد الذي شغل منصب أستاذ بجامعة السوربون لسنوات طويلة، ولم تكتب عنه حتى وسائل الإعلام الجزائرية، هذا الباحث الكبير الذي كتب عن الحركة الإصلاحية في الجزائر، وكانت أطروحته في جامعة السوربون سنة 1968م (الحركة الإصلاحية في الجزائر بين 1925و194).
عندما يتحول الواقع الثقافي إلى حالة من الميوعة الفكرية، وتغلب عليه ثقافة السوق، تضيع الكثير من القيم التي تصنع وعي الأمة ومجدها الحضاري. والله المستعان.