قضايا و آراء

الاحتلال اللغوي الفرنسي للجزائر وصراعات الساحة الثقافية -بلا دبابة …فرنسا تحتلنا-/ وليد بوعديلة

في ظل ملامح لاحتلال فرنسي جديد للجزائر، ترتفع الأصوات منددة بممارسات وزير الثقافة ورافضة لطريقة تسييره المشاريع الثقافية، ولا وجود لأصوات تحذر من التوغل الفرنسي في المجتمع والدولة، عبر اللغة الفرنسية التي حاصرت العربية في عقر دارها. وهذا المقال هو محاولة لفتح النقاش حول المسألة اللغوية والثقافية في جزائرنا الحبيبة.

الاحتلال الفرنسي..لكن باللغة!؟

قد يكون عنوان هذه الورقة مستفزا لكل جزائري، وطني، حر، نوفمبري، لكن بعد تتبع فكرتنا قد يعيد معنا ما قلناه، وربما أصابه القولون العصبي أيضا، أو قد يدخل في دوامة كبيرة من الأسئلة المحرقة التي تتعب الذهن والجسد.

1- دوغول يعود إلينا بلباس ناعم؟؟

ونحن نقصد باحتلال فرنسا للجزائر معنى الاحتلال الثقافي واللغوي، بعد أن فعلت فعلتها في الاقتصاد والتجارة والسياسة، ورسّخت حضورها في الموانئ والمطارات وقطاعات السكن والعمران والمستشفيات…؟؟

فالزعيم الفرنسي دوغول عاد من جديد، من دون لباسه العسكري بل بلباس باريسي جميل ناعم، ولسنا ندري أين هي المواطنة اللغوية الجزائرية ببعديها العربي والأمازيغي؟ فلا هي في لسان الوزراء الذين يتحدثون باسم جزائر الشهداء في المحافل الدولية، فهم يخاطبون العالم باللسان الفرنسي في كل مرة، حتى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تكون لغة الخطاب عند ممثلي الدول من علامات السيادة السياسية…

و لا المواطنة حاضرة عندما يأتينا الضيوف من دول العالم، ويخاطبهم مسؤولونا (..هل هم مسؤولونا؟؟) بلسان فرنسي، أمام كاميرات القنوات الفضائية، وكأننا ندافع عن فرنسا ونترجاها لتعيد احتلالنا؟؟

ولا تحتاج فرنسا لا للصواريخ ولا للدبابات ولا للجيوش العظيمة، لتكون بيننا وتحتل الأرض الجزائرية الطاهرة، لأنها تحتلها لغويا، ومن هذا الاحتلال تواصل مسيرة تجديد العودة، وما على من يزعجه هذا الكلام إلا مشاهدة اللافتات الموجودة فوق المحلات والمراكز التجارية عبر شوارع مدننا الجزائرية، حيث اللغة الفرنسية في كل مكان ولا أثر للغة العربية أو الأمازيغية؟؟

ولنبحث عن راهن المنشآت والتجهيزات التي تقدمها مؤسساتنا الجامعية لأقسام اللغة العربية والأمازيغية والتاريخ والحضارة لنعلم قيمة التزامنا بالدستور وقيمة هويتنا ومن ثمة قيمة أنفسنا؟؟ فكثيرا ما نجد السخرية والاحتقار تجاه المشرفين على تلك الأقسام وأساتذتها وطلبتها، والغريب أن المسؤولين المركزيين في جامعاتنا لا يعلمون أنهم بهذه المعاملة والطريقة في التسيير والتعامل مع تلك التخصصات هم يحتقرون أنفسهم وتاريخهم وشهداءهم من غير أن يعلموا؟؟

وقد يعلم فيهم من عرف كيف تتعامل الدول المتحضرة المتقدمة مع تخصصاتها المرتبطة بلغتها وتاريخا ورجالها الذين ماتوا لتحريرها. ومن يعلم ولم يطبق التفكير والفعل الأوربيين، يكون قد تمتع برحلاته الأوروبية دون أن يستفيد في الإدارة والحكامة  في تسيير الجامعات؟؟؟

2- شوارع الشهداء أم باريس؟؟

ورغم النشاط الكبير الذي يقوم به المجلس الأعلى للغة العربية برئاسة الدكتور اللساني الكبير صالح بلعيد، فإن المجلس مطالب بتقديم موقفه حول تراجع حضور العربية في لافتات المحلات والمراكز والإدارات، وكذلك في الوثائق الإدارية في المؤسسات المالية والبنكية، ونتمنى من الدكتور بلعيد أن يقيم اتفاقية مع وزارة الداخلية تتضمن فرض غرامات على كل من يخالف مواد الدستور وعناصر الهوية، من أصحاب المحلات والمؤسسات والمراكز التجارية الذين يضعون كلمات إعلانية بالفرنسية وليس العربية والأمازيغية، سيرا على نهج جان دارك وليس نهج العربي بن مهيدي وخدمة للغة فولتير وليس لغة ابن باديس.

تحسن شوارعنا خيانة الشهداء، وهي تحب التشبه بشوارع باريس ومارسيليا ونانت وسانت تيان وتولوز (…) في اللافتات فقط (بطبيعة الحال ليس في الجمال والنظافة وسلوك أهلها المتمدن المتحضر؟؟) وإني أحلم بيوم تنهض فيه الأمة الجزائرية على صباح تكون فيه اللغة العربية واللغة الأمازيغية في كل لافتة في الشوارع والأزقة في مدننا، وتكون الوثائق متوفرة أمام الجزائريين في المؤسسات البنكية والمالية بلغة الهوية الجزائرية وليس بهوية أخرى.

وكيف لا تكون فرنسا محتلة لنا، ونحن نشاهد ونسمع رئيس اتحادية كرة القدم لم ينطق حرفا عربيا أو أمازيغيا في آخر ندواته الصحفية، وتجلت الكارثة عندما نقلت كل القنوات الجزائرية كلامه على المباشر في حصة زمنية كبيرة، لدرجة شككت فيها أني أمام قنوات جزائرية الإنسان واللسان؟؟

ليعذرني آبائي وأجدادي المجاهدون، ففرنسا لن تأتينا هذه المرة من الحدود فوق دباباتها، بل ستدخل أرضنا وفكرنا ولساننا بلغتها وثقافتها، وستفرض علينا سياساتها الاقتصادية وقناعاتها السياسية وطموحاتها البترولية والفلاحية والتجارية من خلال رضوخنا اللغوي، وقد تغير- يا سادتي المجاهدين الشرفاء- مفهوم الاستقلال فلم يعد يقتصر على الاستقلال السياسي فقط، فهو يشمل الاستقلال الثقافي والحضاري واللغوي عن المحتل.

قد تكون التحديات والرهانات التي تنتظر الجزائر كثيرة متعددة، وقد تكون لقمة الخبز قد أنستنا الكثير من أوراق هويتنا ومرجعيتنا الوطنية، لكن  مجد الشهداء وذاكرتهم لن ترحمنا، ويجب أن يتوقف اللعب بالمسألة اللغوية عند من يشرف على شؤون الجزائر في الحكومة والبرلمان وفي كل مستوى سياسي، وإلا تحولنا لمضحكة دولية ومسخرة في محفل الدول…

عن المشهد الثقافي الجزائري ورسالتنا لميهوبي في عام2015؟؟

وفي سياق آخر لكنه قريب من مسائل الساحة الجزائرية الثقافية والسياسية، كثر الجدال مؤخرا حول وزارة الثقافة والاستراتيجية المعتمدة من الوزير عز الدين ميهوبي وطاقمه الإداري، وهنا عدت لمقال –رسالة وجهتها له بعد  مدة من تعيينه في الوزارة، من خلال جريدة الخبر عدد 7949/23 أكتوبر 2015.

لقد وضعت عنوانا للمقال-الرسالة هو:”الفن والسياسة مرة أخرى.. ميهوبي المبدع وعز الدين الوزير؟”، بعد أن فتح في تلك الفترة النقاش حول الإبداع السينمائي والمواقف السياسية، وتحديدا حول فيلم “مدام كوراج” للمخرج مرزاق علواش، وقد تساءل الوزير عن مصير أموال دعم الدولة للفيلم الذي شارك به صاحبه في مهرجان بدولة الكيان الصهيوني؟؟.

1– أفلام الثورة..بدايات الجدل؟

وقد كتبنا حينها  نقول:”على ميهوبي المبدع الحذر مستقبلا من قضايا الفن والحرية والسلطة والتاريخ، حيث ستصادفه الكثير من الإشكالات حول مواقف المبدعين وقناعاتهم من مسائل تتعلق بالتاريخ والموقف من السلطة، واقتراح رؤى قد تناقض موقف السلطة التي يدافع عنها الوزير”.

لكن السيد الوزير لم يأخذ بالنصيحة، وربما لم ينتبه لنشر الرسالة، وفي الفترة الأخيرة من عمر الوطن يمكن للقارئ أن يتتبع النقاش الطويل حول فيلم العربي بن مهيدي ليتأكد من ظهور بوادر ما كتبناه، حيث دافع المخرج البشير درايس عن قناعاته بقوة، وكشف كل الصعاب التي واجهته، كما  طرحت في الساحة الإعلامية والنقدية الفنية مسألة حدود وآفاق لجنة القراءة التي تمنح الموافقة للأفلام الخاصة بالثورة التحريرية.

كما ظهرت قضية ثقافية أخرى، فيما يتعلق بفيلم زيغود يوسف الذي كتب نصه الدكتور المختص في المسرح أحسن ثليلاني، حيث بدأ الجدل حول الفيلم قبل أن يراه المشاهد، وكتب الباحث ثليلاني عن الوزير:” إنه يراوغ وعليه تحمل المسؤولية..ميهوبي اقترح ولد خليفة مخرجا وياسين العلوي منتجا لفيلم زيغود يوسف” (جريدة الشروق اليومي، عدد 9-أكتوبر-2018.ص21)، وهذا ردا على نفي الوزير لوجود ملف عن الفيلم في وزارة الثقافة، فقد صرّح ثليلاني أن المنتج قد سحب استمارات الاستفادة من الدعم المالي من مصالح وزارة الثقافة، في انتظار مساهمة وزارة المجاهدين لتحديد مساهمة وزارة الثقافة.

وقال الكاتب المسرحي بأن وزير الثقافة على علم بكل تفاصيل فيلم زيغود يوسف لأنه هو الذي اقترح عليه المنتج ياسين العلوي..وهو في ذات الوقت الذي اقترح عليه المخرج سعيد ولد خليفة.. وقال:” إن وزير الثقافة مدعو إلى تحمل مسؤولياته المعنوية كاملة مادام هو الذي اقترح المخرج والمنتج وأنا لا أعرفهما ولا علاقة لي بهما، فكيف يتنصل الوزير من مسؤولياته اليوم..؟؟”.

وما يهمنا نحن الجمهور السينمائي الجزائري والعربي هو أن نشاهد فيلم العربي بن مهيدي قريبا، وأن يتم إنجاز العمل الثوري عن الشخصية البطولية زيغود ومساراتها ومجدها وحياتها، وأن تنسجم وزارتا الثقافة والمجاهدين لإخراج جيد للفيلم الذي يقدم بعضا من محطات الثورة في الشمال القسنطيني. بخاصة وكاتب السيناريو ثليلاني مشهود له بالعمق العلمي في الدراسات المسرحية والدرامية، كما له الكثير من التجارب في الكتابة  للمسرح والترجمة له، مع مجهوده في التعريف بالحركة المسرحية الجزائرية.

2-ميهوبي..بين مساند ومعارض؟

لقد كتبت في عام 2015 رسالة للسيد الوزير، ومنها:” على ميهوبي المبدع أن يكبر ويرتقي عن عز الدين الوزير، ولا يدعه يقتل ضميره وقناعاته وينسيه تاريخه وذاكرته، ولا نعتقد أن الوزير يمكن أن يمحو ذاكرة مبدع متميز في شعره ورواياته ومقالاته، فالجزائري سينسى الوزير ويخلد المبدع، أما إن أبدى السياسي مواقف وممارسات تشوه ما كتبه الأديب، فإن القارئ سيتمرد ويرفض مستقبلا كل إبداع جديد لميهوبي”.

لكن ما وجدناه مؤخرا يرسخ لدينا الصراع الكبير والموقف الصعب للوزير المبدع، ويظهر لنا ميله للوزارة غالبا، فهو أقرب لقاعات ورؤى السلطة وممارساتها ومواقفها من الحرية والإبداع، فثارت أصوات الرافضين لتحركات الوزير وسياساته في التسيير للشأن الثقافي، من خلال احتجاج الكثير من الفنانين والمثقفين، ومنهم  الإعلامي المنتج سليمان بخليلي، والشاعر الناشط الجمعوي عبد العالي مزغيش…في الوقت الذي وقف إلى جانب البعض الآخر، وعبر مقالاتهم الإعلامية وجدرانهم الفايسبوكية مثل الشاعر إبراهيم صديقي (محافظ مهرجان الفيلم العربي بوهران).

ولأن  ما كتبناه يمكن أن يقرأ ما يحدث في الساحة الجزائرية، فنعيد للسيد الوزير قولنا في عام 2015:” لقد شهد العالم الكثير من حالات وصول المبدع لمراكز القرار السلطوي، ومنهم من خان المبادئ التي تربى عليها، ومنهم من وفى، ونحسب شاعرنا من الموفين، لكن ليحذر اللّاحاسين في جميع موائد السلطان عبر الولايات، ولينتبه لمن يرى في الثقافة ريعا ومكسبا، ولمن يرى في التعامل مع الثورة فنيا صفقات مالية وعقارية و…”، وقلنا كذلك:” يجب على ميهوبي المبدع أن لا يترك عز الدين الوزير يقتل روح الإبداع  والمغامرة فيه، وعليه أن يميّز بين رجل الدولة ورجل السلطة، ورجل الحرية ورجل الوظيفة، وعليه أن يقول كلمة الحق السياسية والاجتماعية من منظور المواطنة قبل الوطنية، وحرية التعبير والتفكير قبل قيد المنصب والمهمة الرسمية”. ويمكن للقارئ أن يعود لأرشيف جريدة الخبر ليتتبع ما اقترحته للوزير والكاتب من نصائح لخطة الطريق في الرشاد والفن والجمال.

في الختام

لن نقبل العودة الاستعمارية في ثوب جديد، وإن وطنا أنجب أمثال الأمير عبد القادر، زيغود يوسف، ابن باديس، البشير الإبراهيمي، هواري بومدين، مفدي زكرياء،…لن يسمح بفتح صفحات استعمارية جديدة، ولن يسمح الوطنيون المخلصون للمحتل الغاشم أن يعيد كتابة تاريخه البشع الهمجي بوسائل وأدوات استعمارية جديدة ناعمة…وعلى وزرائنا أن يفهموا المعادلة بعمق، ويجب معاقبتهم ماليا (بوضع قوانين عقابية جديدة تحترم نصوص الدستور حول اللغة الرسمية)، أو بالعزل عند الحديث للشعب أو للعالم بغير العربية أو الأمازيغية.

فهل فهمت أيها القارئ الآن لماذا قلت “بلا دبابة ..فرنسا تحتلنا”؟؟؟

 

    وبالنسبة للصراعات في الساحة الثقافية الجزائرية، فإني أساند الكاتب المتميز الطاهر يحاوي في دعوته كل الكتاب والمثقفين والمبدع الجزائريين للمصالحة الثقافية الشاملة، وقد نشرها في الموقع الثقافي المتخصص”أصوات الشمال”، والجزائر بحاجة لجهود وأفكار وآراء كل رجالها المبدعين، وعلى كل طرف أن يعترف بأخطائه ويكنس من يلتصق بالمشهد الثقافي وهو بعيد عنه ولا يعرف منه إلا الامتيازات المتعددة، وعلى السيد الوزير أن يحرك مكاتب الوزارة لتقدم البدائل التنويرية الاستراتيجية في التفاعل والتعامل مع الأصوات المحتجة على طريقة عمل الوزارة، بدل السماع لأصوات مدّاحة، تقدم النصيحة المخادعة الكاذبة لأجل المنصب، وفي أول منعرج تنقض على كل فريسة؟ وتتنكر لكل فضل؟؟ فهل وصلت الرسالة يا أهل الثقافة في وطني الجميل الجريح؟ واللهم أحفظ الجزائر ووفقنا للوفاء بعهود الشهداء.

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com