عن أي إعدام تتحدثون؟/ التهامي مجوري
يعلن الاتحاد الأوروبي أن من أولوياته إلغاء حكم الإعدام في بقية الدول التي لم تلغه وهي ربع دول العالم، وهو مستبشر بأن تنفيذ حكم الإعدام قد تراجع بنسبة 40 بالمائة منذ سنة 2015، أي خلال السنوات الثلاث الماضية.
وحكم الإعدام كما هو معلوم، تتداخل فيه جملة من الأمور لا تسمح بإلغائه نهائيا، كما لا تقره بجميع صوره، وإنما هي خاضعة لأكثر من قرار معتبر: سياسي وقضائي وديني، وهي مقررات معتبرة في جميع العالم.
فأما الجانب السياسي فيمكن استهجان حكم الإعدام بسببه عندما يتحول إلى تصفية حسابات بين الخصوم السياسيين، فكل من لا يعجب يمكن تصفيته عن طريق فبركة حكم قضائي بمحاكمة صورية وتواطؤ الدفاع، ولكنه يستساغ عندما يتعلق الأمر بالخيانة العظمى، والتآمر على المجتمع في الحرب والسلم؛ بل يعتبر الحكم بالإعدام هو الأنسب لحجم الخيانة المضرة بكل المجتمع وليس بفرد منه وحسب.
أما الجانب القضائي، فللقاضي سلطة التقدير، وله أن يعطل حكم الإعدام حتى ولو كان معمولا به في منظومة القضاء؛ لأنه في موقع وفي مكانة يؤهلانه لأن يرى ما يناسب ردع المتهم أو المجرم، كما يمكن للقاضي أن يحكم بالإعدام تعزيرا، وفق قوانين الدولة، والقاضي في كل ذلك هو المؤهل لتحقيق موازين العدل في المجتمع، شريطة أن يكون مستقلا بطبيعة الحال.
وأما الجانب الشرعي الديني، فإن ما نص عليه في القرآن الكريم، لا مجال فيه للاجتهاد والتعديل والإلغاء، إلا أن تكون شبهة معتبرة، فيمكن للقاضي أن يعتبرها فيقدم ويؤخر وفقا لذلك، ومع ذلك لا يعد الاجتهاد القضائي لاغيا لأصل الحكم المقرر يقينا.
ولكن المشكلة في تقديري ليست في حكم الإعدام في ذاته، لاسيما عندما يكون الحكم صادرا في حق مجرم يستحق ذلك، وإنما المشكلة في المظالم المرتكبة في حق البشر هنا وهناك، والتي تذهب بعشرات آلاف الأرواح سنويا، فعندما يتكلم الاتحاد الأوروبي عن تراجع أحكام الإعدام بنسبة 40 بالمائة منذ سنة 2015، وينشرح صدره لذلك وله أن يفرح، ولكن كم هي نسبة الانتحار في العالم بسبب الفساد الأخلاقي والاجتماعي؟ وكم هي نسبة قتلى الحروب بسبب مظالم أقوياء العالم الذين يعتبر الاتحاد الأوروبي جزء منهم؟ وكم هي نسبة موتى المجاعات في العالم بسبب المظالم الاقتصادية التي يفرضها الكبار على الصغار؟
لا شك أن مراجعة بسيطة لواقع العالم ومحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات سوف تكشف لنا عن أن التراجع المسجل في أحكام الإعدام، لا يساوي شيئا في تقدم حقوق الإنسان أمام النسب المرتفعة للقتلى في تلك الجوانب كلها.
إن الغرب في تقديره لحقوق الإنسان لا ينظر إلا بعين واحدة، فهو يتكلم عن حق الإنسان في الحياة، عندما يتناول حكم الإعدام بالنقاش، فيطالب بإلغائه حفاظا على حياة الناس..وهذا جميل لو صدق مع نفسه، وعدل مع الشعوب التي “ينفذ فيها الإعدام” بأكثر من وسيلة؛ بل ربما اعتبر ذلك من الأمور الطبيعية التي لا يمكن الحد من تأثيرها في حياة الناس.
إن قضية حقوق الإنسان كتلة واحدة غير قابلة للتجزئة. وإذا كانت تعنينا حياة الإنسان والحفاظ عليها ينبغي أن نسعى لاستبعاد شبح الموت في الجوانب الأخرى قبل أن نقترب من الأحكام الشرعية والقضائية ونطالب بإلغائها؛ لأن المظالم أولى بالمحاربة من أحكام يوجد لها ما يبررها، رغم ما فيها من شدة وقسوة..ومع ذلك نرى أن محاربة الظلم والحقرة والتمييز العنصري…أولى من الدعوة إلى إلغاء حكم الإعدام؛ بل إن أحكام الإعدام نفسها تقل وتضعف حين يشيع العدل وتحارب المظالم؛ لأن إشاعة العدل والحريات، يقضي على الإجرام وأسبابه.
والإعدام الحقيقي الذي تجب محاربته قبل كل شيء، هو هذا الإعدام الذي يقوم به الغرب أو يتسبب فيه في حق الشعوب المستضعفة.