فلا تلوموني ولوموا أنفسكم/ أ. محمد الصالح الصديق

حدثني رجل من منطقة زواوة -يعيش في فرنسا منذ ثلاثة عقود- عن عمه الذي كان عهد الثورة التحريرية حركيا يحارب إخوانه المجاهدين، ولما انتهت الثورة فر هاربا إلى فرنسا، واتخذها موطنا له، وذات يوم اضطر إلى مقابلة مسؤول فرنسي لحل مشكلة شائكة واجهته في المحيط الذي يسكن فيه، فلما رفض مساعدته، قال له بلهجة الواثق بما يقولك “أهكذا تتخلون عن أنصاركم الذين آثروا مساندتكم والوقوف بجانبكم بالأمس؟
فقال له المسؤول الفرنسي: ذلك اختياركم أنتم، دفعكم إليه تهاونكم بوطنكم، وقادكم إليه الطمع والجشع، ولم تجبركم عليه فرنسا، فالأولى بكم اليوم أن تتحملوا تبعة مواقفكم وحدكم، ولا تسأل فرنسا عما قمتم به.
وكان الرجل يحدثني عن عمه هذا، وذاكرتي تعود بي إلى ما قرأته منذ نصف قرن، وما يزال عالقا في ذهني، وقد نشرته الصحف، ونقله العلامة المفسر الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره، وهو أن الأمير عبد الكريم الخطابي، الذي حارب الإسبان، سلط عليه الإسبان رجلا من وطنه المغرب يقال له “شوكة وقوة”، فقام الأمير عبد الكريم بمحاربته، ولما غلبه وأسره، وقف وزير الإسبان خطيبا في قومه وقال:
“نحن لا يهمنا الرسولي ولا هو له قيمة عندنا، فسواء خذل أم نصر، فلا نبالي”، فكان الوزير يقول: “لما كان الرسولي قويا انتفع به فلما سقط في حومة الوغى خذله ولم يبال به”.
وهذا ما يقرره القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، لو كان الناس يبصرون: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم/22].