كلمة حق

هؤلاء المحرفون لحقائق الإسلام في البويرة ألا يحترمون المجتمع الإسلامي الجزائري؟/ أ. د. عمار طالبي

عقد يوم دراسي لفكر محمد أركون رحمه الله، في دار الشباب في البويرة يومي 9-10سبتمبر 2018 في حيزر، حاضر فيه السيد فارح مسرغي من جامعة باتنة، بيّن فيها تأثير محمد أركون بجاستون بَاشلار وميشال فوكو، وأنه اهتم بمؤسس الفكر الإسلامي وهو الإمام الشافعي في رسالته في أصول الفقه ولم يذكر أنه علمه ورباه الآباء البيض، وإنما ذكر أن المفسرين نسوا القرآن واشتغلوا بنصوص تفسيره وأن أركون كافح طول حياته لتحرير الفكر الإسلامي من أفكار القرون الوسطى، وأنه يدعو إلى إعادة كتابة السنة التي تجاوزها الزمن، إلى غير ذلك من المزاعم. ولكن السيد سعيد جاب الخير، جاء بالشر لا بالخير معجبا بأركون، وزعم أنه يقرأ القرآن والسنة قراءة نقدية، هذا الشعار الذي أذاعه المستشرقون من قبله، وأراد هو وبعض الناس عندنا هذه الأيام، أن ينشروه بين شباب المسلمين، وزعم أن القرآن كانت نسخ عديدة منه عند قبائل في الحجاز، وأنه كتب بطرق مختلفة، كتبته كل قبيلة حسب لغتها، وأن المصحف الذي وصلنا ليس هو القرآن الأصلي، فسورة الأحزاب اختصرت، وأن سورة النساء تجاوزها الزمن، فيجب على المسلمين أن يتكيفوا مع العصر، وأن تزال القداسة عن القرآن، وأن يؤخذ بالنسبية، وإن كبار علماء المسلمين تجادلوا في عدد آيات القرآن، فبعضهم قال إنها 6214، وآخرون قالوا 6218 أو غير ذلك، وأن سبب قداسة القرآن سياسي، وأنه يجب إعادة قراءة الحديث فإن كثيرا منه غير صحيح.

إن ما كتبه ويكتبه بعض المسلمين في الدين والفكر إما مبني في الأعم والأغلب على وجهة نظر الفكر الغربي، أو قائم على معرفة ضحلة محدودة بعلوم القرآن.

لا يمكن لأي شاب مسلم أن يفهم العالم الحديث دون فهم لدور الدين في الغرب، وأفول شمسه عندهم، منذ تكوّن العالم الحديث في أوروبا وأمريكا، وامتداده إلى بلدان أخرى، والتشكيك المتأصل في ثنايا فلسفة الاسميين *** (المفاهيم الكلية المجردة ليس لها وجود حقيقي إنما هي مجرد أسماء).

لابد للقراء أن يدركوا المعركة الطويلة بين الدين المسيحي واليهودية وبين العلمانية منذ عصر النهضة إلى اليوم، انتهت المعركة إلى إنكار الأساس الديني للأخلاق، والإنكار الفلسفي لوجود الله، والوحي، وإنكار الدين وعلاقته بشتى شؤون الحياة، وتراجع الدين إلى حد بعيد في الغرب، وأصبح اللاهوت نفسه يتجه بدرجات إلى العلمنة.

وظهرت أصوات تنادي “بموت الله” وهم قد أأأماتوه من قبل في صورة المسيح عليه السلام.

وأنكروا على تيلهارد دي شردان (ت1955) مزجه العلم بالمسيحية، واتجه بعض الغربيين إلى البوذية، وبعضهم إلى الإسلام، ولكن ينبغي أن نذكر أنه يوجد اليوم اهتمام بالدين في الغرب، ويعود ذلك إلى انهيار العديد من الأصنام العقائدية الفكرية الحداثية التي جاء ما بعد الحداثة لهدمها وتخريب مقوماتها من العقلانية المتطرفة وغيرها، وأخذ الدين اليوم يجذب في الغرب عددا كبيرا من أذكياء الناس لدراسته والإيمان به، فانتشر الإسلام في أمريكا بين الأمريكيين ومن هم من أصول إفريقية، والمنحدرين من أوروبا، ومنهم مجموعة من الكتاب والفنانين والمفكرين والفلاسفة، وأصبح الإسلام أكثر تناميا في الغرب، رغم تشويه الإرهابيين له، وذلك لأن هؤلاء يدرسون الإسلام في مصادره، لا في سلوك هؤلاء المسلمين المتخلفين، فالإسلام الدين الثاني في أوروبا وأمريكا، فعددهم في الولايات المتحدة حوالي سبعة ملايين في إحصاء سنة 2002.

إن أركون أكثر من الدعوة إلى الحداثة وقراءة القرآن الكريم قراءة جديدة، ودعا إلى هذا غيره، ولكنه لم يعطنا قراءة جديدة لهذا القرآن لنرى هذا الفهم الكامل لهذا الكتاب الذي دعا إلى إزالة القداسة عنه، ويصبح كأي كتاب بشري، يخضع للتفكيك والأركيلوجيا، وأن يقرأ قراءة أنتروبولوجية سوسيولوجية، فلا مانع عندنا من أن يقرأ بمساعدة علم الاجتماع، واللسانيات إلى غير ذلك فالقرآن لا يخشى هذه القراءة ؛ ولكن يقول أركون:” نحن نهدف من خلال هذه الدراسة إلى زخرفة مفهوم الوحي وتجاوزه” في كتابه: “القرآن: من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ص76″.

ويدعو إلى استعمال النقد الحقيقي للعقل الديني، وأنه ينبغي أن يستعمل مصادر المعقولية، وما تقدمه علوم الإنسان والمجتمع:” من أجل زحزحة إشكالية الوحي من النظام الفكري، والموقع الابستمولوجي الخاص بالروح الدوغمائية (المصدر السابق، ص58).

زحزحة الوحي، وإبعاده عن القرآن فكرة مزعومة من قبله، من عهد الجاهلية، وقد درس ظاهرة الوحي دراسة علمية الإسناد مالك بن نبي، وأنصح شبابنا أن يدرس هذا الكتاب، فهو كفيل بهدم هذه المزاعم كلها.

إن القرآن كتب كله بمجرد نزوله، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم كتّاب للوحي، وبقي هذا المكتوب في مختلف وسائل الكتابة عن حفصة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما خاف الصحابة من الاختلاف فيه، جمعه أبو بكر مما كتب، وجاء الإمام عثمان، وكوّن لجنة علمية من الصحابة الحافظين للقرآن، برئاسة زيد بن ثابت، وهو من كتاب الوحي الملازمين للرسول صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، فجمعت تلك الصحف في مصحف واحد، ونسخت منه عدة نسخ في المدينة، وأخريات أرسلت إلى مكة، ودمشق، والكوفة، حتى لا يصاب القرآن بما أصيب به التوراة والإنجيل، من التغيير والتحريف، فهذا عمل علمي واضح، وأما زعم السيد سعيد بأن هذا القرآن ليس هو القرآن الأصلي، فهو كلام لا يقوم عليه دليل علمي موضوعي، وزعمه بأن القرآن له نسخ عند القبائل المختلفة في الحجاز، لا أساس له، ولم تكتبه أية قبيلة بلغتها، وإنما كانوا يقرأون القرآن بنطقه الصوتي، وزعمه بأن العلماء يجادلون في عدد آيات القرآن، دليل على جهل واضح، فاختلاف عدد الآيات ليس معناه أنه تنقص آيات أو تزاد فيه، وإنما قد تقسم الجملة إلى آيتين، أو تروى أنها آية واضحة في تلك الجملة، مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، إذا اعتبرناها آية من الفاتحة، فعدد آياتها ثمانية، وإذا لم نحسبها آية منها فهي سبع آيات.

ونحن نعجب من قوله أن بعض سور القرآن تجاوزها الزمن، فهل معنى هذا أن نحذفها من القرآن؟ ومن زعم أنها تجاوزها الزمن؟ فهل يدعونا إلى تحريف القرآن؟ على أخينا هذا أن يعود لقراءة علوم القرآن، وأن يدرس جواب مزاعمه من كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي رحمه الله، أما إعادة كتابة الأحاديث، فإن المحدثين وضعوا منهجا تاريخيا نقديا، وطبقوه على نقل الأحاديث نقلا مسند الرواية، ورفضوا كل ما لا يقبله العقل في متنه أو كان مخالفا للقرآن.

إن هؤلاء المخربشين ينظرون إلى القرآن بمنظار غيرهم، لا برؤية المتخصصين من علمائنا واجتهادهم الدقيق، فبينوا الأحاديث الموضوعة والضعيفة بمعايير علمية دقيقة.

ندعو إلى قراءة ما كتبه مصطفى الأعظمي عن تاريخ النص القرآني A History of the Coranic Text

وأن يقرأ كتاب دراسات في الحديث الذي ترجم من الانجليزية إلى العربية ليعلم ما لم يعلمه بعد.

 

 

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. دكتورنا الفاضل ماذا ننتظر من سي جاب الشرّ الذي قال في حصة مشهورة بقناة (بور تي في) بصدد ذكر آية قرآنية :(هذه الآية نحطوها في الفريقو) .
    وهو كلما تكلم أوغل في الجهل والجاهلية والعبث والعبثية غير الفلسفية بالطبع .

زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com