عالم الصحافة العظيم .. !!/ حسن خليفة
يمكن للمتتبع المدقّق، وهو يقرأ تاريخ المجد المتعلق بالكلمة الطيبة المسؤولة، أن يستحضر الكثير من الوقائع وهو يدارس تاريخ حركة الجهاد الثقافي الذي سطرته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفي مقدم طليعتها العاملة الشيخ العلامة الرباني عبد الحميد ابن باديس ..يمكن للمتتبع الحصيف أن يستوعب عمق الفهم لدور “الكلمة” في صناعة النهضة واليقظة واستزراع الوعي، ونشر الخير والفضيلة، لدى هذا الرجل الاستثنائي (ابن باديس)، وعند الخاصة من أعضاء الجمعية المؤسسين الأوائل.
..نعم من يقرأ تاريخ الحركة الوطنية الحديثة لابدّ أن يقف على تلك السلسلة المضيئة من الجهود المنهجية التي استهدفت صناعة الوعي، لدى المسلم الجزائري، بتوفير الوسائل اللازمة، وفي مقدمتها بل وبالأخص منها “الصحافة”، دون إغفال الوسائل الأخرى كالمساجد، والنوادي، والمدارس ومختلف المؤسسات الشعبية..ويكفي للدلالة على ذلك قول ابن باديس في افتتاحية جريدة “المنتقد” التي صدرت سنة 1925وكان مسؤول تحريرها:
“..باسم اللّه، ثم باسم الحق والوطن، ندخل عالم الصحافة العظيم، شاعرين بعظمة المسؤولية التي نتحمّلها فيه، مستسهلين كل صعب في سبيل الغاية التي نحن إليها ساعون…وها نحن نعرض على العموم مبادئنا التي عقدنا العزم على السير عليها. نحن قومٌ مسلمون جزائريون، فلأننا مسلمون نعمل على المحافظة على تقاليد ديننا التي تدعو إلى كمال إنساني، ونحرص على الأخوة والسلام بين شعوب البشر”.
واستطرد الإمام يقول:« إن الدين قوة عظيمة، لا يستهان بها، وإن الحكومة التي تتجاهل دين الشعب تسيء في سياسته، وتجلب عليه وعليها الأضرار”..
إن هذا الإدراك العميق والمشعّ لدور الصحافة خاصة، ودور الكلمة عموما، هو ما نظنّ أننا في حاجة إلى التأكيد عليه مرة بعد مرّة، لأن الأصل في أي دعوة إصلاح وتغيير هو توفير واستثمار هذه الوسائل التي تبلّغ “الأفكار” وتنقلها وتوصلها إلى القلوب والعقول والنفوس والأرواح. لهذا الغرض أحببتُ ـ في شعاع هذا الأسبوع ـ استعراض الجهود العَملية التي قامت بها الجمعية في مبدأ نشأتها، في مجال الصحافة، وعليه وجدتُ من المفيد تقديم هذا العرض الوجيز البسيط للمنابر الصحفية التي تأسست لخدمة الدعوة الإصلاحية. نسوق هذا لشبابنا الطامح الصاعد، لتعميق وعيه بأهمية فهم فلسفة الإعلام والصحافة ودورهما الكبير المهم في مجالي الإصلاح والتغيير. ولنشر إشارات عابرة إلى أهم الصحف التي تأسست في ظلال ابن باديس والجمعية وبرعايته المباشرة:
*****
- بدأ ابن باديس الجهد العَملي في مجال الصحافة بإنشاء صحيفة المنتقد التي صدرت بقسنطينة في 2 جويلية 1925، والتي أسند إدارتها إلى الشيخ أحمد بوشمال، نشأت كجريدة وكانت بمثابة منبر للدفاع عن العروبة والإسلام في الجزائر، وحاربت سياسة الاندماج الفرنسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وقد عطلتها الإدارة الاستعمارية بعد صدور18 عددا منها .
- جريدة الشهاب وهي أيضا أسبوعية صدرت يوم 12 ديسمبر1925 باسم الشيخ أحمد بوشمال، وكانت مثل المنتقد.. “سياسية تهذيبية انتقادية ” شعارها “الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء”. صدرت الشهاب أسبوعية حتى سنة 1929.
- ابتداء من غرة رمضان 1347 ـ موافق لشهر فيفري 1929ـ تحولت الشهاب إلى مجلة شهرية، وقد يسّر الله للشهاب أسباب الحياة فامتدت حتى شهر سبتمبر1939 (لم يطبع من العدد الأخير سوى 4 ورقات). وقد عدّ بعض الدارسين الشهاب (جريدة ومجلة)”كنزا من الكنوز الثقافية في الجزائر”*.
- جريدة “السنة النبوية ” وهي لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، صدرت تحت إشراف رئيس الجمعية العلامة ابن باديس، رأس تحريرها الأستاذان الشيخ الطيب العقبي والشيخ محمد السعيد الزاهري، وصاحب الامتياز (مسؤول النشر) الشيخ أحمد بوشمال، تصدر يوم الاثنين من كل أسبوع، صدر العدد الأول منها في 1 مارس 1933، بقسنطينة. شعارها: ولكم في رسول الله أسوة حسنة.من رغب عن سنتي فليس مني. صدر منها 13عددا وعُطلت بأمر من وزير الداخلية الفرنسي.
- جريدة الجحيم صدرت بمدينة قسنطينة، وكانت تُطبع بطريقة سرية، كان عنوانها في نهج بن عاشير رقم 16 بالعاصمة الجزائر، وصاحب امتيازها جوكلاري محمد الشريف، صدر العدد الأول منها يوم 30 مارس 1933، يقوم بتحريرها نخبة من شُبان الزبانية تتنفس يوم الخميس من كل أسبوع، شعارها: العصا لمن عصى. كانت تصدر في أوراق حمراء، صدر منها سبعة أعداد، وعُطلت بأمر من وزير الداخلية الفرنسي. كان من كُتابها الأدباء الشبّان المصلحون الشيخ محمد السعيد الزاهري، والشيخ عبد الرحمن غريب، والأستاذ محمد الأمين العمودي، وغيرهم. وبهذا الثالوث المقتدر وغيره استطاعت الجمعية أن تردّ على ألسنة السفاهة والرداءة ومنها جريدة المعيار البذيئة، بما تستحق من لطم وشتم وصفع وكلام مقذع والظلم بالظلم والبادئ أظلم.
- جريدة الشريعة النبوية المحمدية لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أصدرتها الجمعية بإشراف رئيسها الأستاذ عبد الحميد بن باديس، ورأس تحريرها الأستاذان العقبي والزاهري، صاحب الامتياز أحمد بوشمال، شعارها على اليمين: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}(آية) وعلى اليسار “من رغب عن سنتي فليس مني”(حديث شريف).كانت تصدر يوم الاثنين من كل أسبوع، صدر العدد الأول منها يوم الاثنين 17جويلية 1933، صدر منها سبعة أعداد فقط، وعُطلت من طرف الاستدمار الفرنسي.
- ـ جريدة{الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}، لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أصدرتها الجمعية تحت إشراف رئيسها الأستاذ عبد الحميد ابن باديس، ورأس تحريرها الأستاذان الزاهري والعقبي، صاحب الامتياز أحمد بوشمال. في أعلى عنوان الجريدة الآية الكريمة:{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}.شعار الجريدة على اليمين{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}(الآية)، وعلى اليسار حديث نبوي “من رغب عن سنتي ليس مني. تصدر يوم الاثنين من كل أسبوع ، صدر العدد الأول منها يوم الاثنين 11 سبتمبر 1933، وقد عُطلت بقرار من وزير الداخلية الفرنسي، بعد صدور 17 عددا منها.
- جريدة أبو العجائب: وهي نشرة فكاهية نقدية تهذيبية، رأس تحريرها محمد العابد الجلالي، مع نخبة من الشباب، وكان مديرها أحمد بوشمال، تصدر كل يوم خميس، بداية صدورها 24 ماي 1934. صدر منها 10 أعداد.
- جريدة البصائر وتاريخها مما يحسُن أن يُروى ويؤرخ له بالتوقيت الحضاري المناسب، وقد عاشت أمدا من الدهر، واستمرت في الصدور إلى يوم الناس هذا…بركة من بركات الجمعية وسنخصص للبصائر كلاما في المستقبل إن شاء الله تعالى تأريخا وتحليلا ونقدا.
*جمع الأستاذ سليمان الصيد الكثير مما له صلة بنشاط الجمعية وجهادها في كتابه “نفح الأزهار”، وقد طبع مرتين على الأقل، يمكن الاستفادة منه في هذا المجال، ومعظم المعلومات في هذا الشعاع منه.