الصين في إفريقيا/ أ.د؟ عمار طالبي
تم أ كثر من خمسين دولة إفريقية اجتماعها في الصين، في هذه الأيام، فهل هذا له دلالة سياسية أم اقتصادية؟ وهل أصبحت الصين تنافس أوروبا وخاصة فرنسا وبريطانيا منافسة تغير وجهة الأفارقة من سيطرة قدماء الاستعمار، وتتجه مصالحها إلى جبهة لم يسبق لها أن مارست الاستعمار المباشر في إفريقيا؟
نرى أن التعاون بين الأفارقة والصين لا يخضع لشروط سياسية واضحة، وإنما هدف الصين كسب المجال النفسي والاجتماعي والاقتصادي خاصة، وبذلك تختلف عن اتجاه الأوروبيين والأمريكان الذين بذلوا جهود للاستحواذ على ثروات إفريقيا قديما وحديثا، وما يزالون، وبهذا هل يمكن أن تكون الغلبة اليوم للصين التي ليس لها قواعد عسكرية ولا سيطرة سياسية ظاهرة لحد اليوم؟ أم أن هذا وضع مؤقت تمهيدي تعقبه رغبة سياسية عسكرية تحمي وجهتها الاقتصادية؟ إن صلة الصين بروسيا، واتجاه روسيا إلى آسيا، وإلى الشرق الأوسط يكوّن كتلة جديدة في مقابل الولايات المتحدة وأوروبا، وهل أمريكا وأوروبا تترك المجال بسهولة للصين؟
إن أغلبية الأفارقة مسلمون، فهل يتقبلون دولة ما تزال ماركسية اشتراكية مع شيء من الرأسمالية ولا تعامل المسلمين معاملة طيبة، وهل معاملة الصين للمسلمين في أرضها معاملة مرضية، وهي إلى اليوم تشتد على المسلمين في الصين، كما أنها متحالفة مع البوذية في بورما، وتمد جيشها بالسلاح الذي يذبح به السلمون وتحرق ديارهم وأطفالهم، ولم تحرك ساكنا أم أنها تناصر البوذيين ؟
ألا تفكر الصين في مراجعة علاقاتها مع العالم الإسلامي؟ يظن بعض المنظرين الأمريكان في صدام الحضارات أن يتحالف العالم الإسلامي مع الصين ضد الغرب، وأن هذا الصراع بين الحضارات لا يتوقف، وأن المركزية الإستراتيجية للعالم الإسلامي، تؤهله لهذا التحالف ليخلص من قبضة الغرب المتحكمة فيه، الذي يدعي الإنسانية وحقوقها نظريا ويضيعها ويناقضها واقعا.
وهل نظرية مالك بن نبي في الاتجاه إلى العالمية تمهد للعالم الإسلامي الأسيوي مثل أندونيسيا وماليزيا، وأفغانستان، وباكستان خاصة وإيران وتركيا ومصر، أن يتجه التحالف مع الصين والهند، لأن المسلمين ملّوا وكرهوا سلوك الأمريكان في إهانتهم وتأييد دولة الصهاينة دون أدنى اعتبار لمصالح المسلمين ومشاعرهم. مع أنها تتمتع بمصالحها في هذه المنطقة من العالم الإسلامي الاستراتيجي عسكريا، واقتصاديا في تحالف غير حقيقي، لأنه لا يكف عن إيقاد الحروب الأهلية في بلاد العرب والمسلمين بداية من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا إلى ليبيا، ألا يخشون أن يتحد العالم الإسلامي من أجل تحقيق مصالحه التي ضاعت مع هذا التحالف الهزيل مع الولايات المتحدة، وهل روسيا أفضل معاملة من الأمريكان أم أسوأ و أنكى في التلاعب والمناورات من أجل التمكن من مواقع استراتيجية؟ ولا يهمها أيضا أن تراعي مصالح العالم الإسلامي.
إذا خرج العالم الإسلامي من غفلته، ورشد، وتعلم، وأخذ في الاتجاه إلى اتحاد يضمن مصالحه باعتباره قوة بشرية وقارة وسطية بين القارات فإنه يتخلص جزئيا من ضياع مصالحه، وعدم إنصافه في مشكلة فلسطين، ولم تراع أمريكا أي اهتمام لمشاعر المسلمين في العالم الذين لا يرضون أبدا على هذا السلوك الظالم للولايات المتحدة التي تتخذ قرارات منفردة وتتجاوز كل القرارات الدولية وتشن عدوانا صارخا على حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ودياره، تجبرا واستعلاء واغترارا بقوتها العسكرية، إن قوة الحق في النهاية هي الغالية، وليس العالم الإسلامي محكوما عليه بالتخلف الأبدي، كما أن سلطان الأمريكان المادي، الظالم لن يكتب له الدوام.
ولكن الغرور يعمي ويصم هذه الإمبراطورية الطاغية اليوم، إننا ندعو الصين ألا تسلك مسلك الأمريكان ولا مسلك الروس في معاملة المسلمين، وأنه لا يخفى على مراكز الدراسات الصينية فيما نعتقد هذه المشاعر في العالم الإسلامي، وهي أقوى من كل أيديولوجية، ولها الأولوية عندهم بالنسبة للمصالح، فالمسلم يضحي بمصالحه المادية في سبيل عقيدته، وهي محور حياته كلها، ولعل علاقتها بباكستان تجعلها تدرك ذلك قبل التمكن من مصالحها في إفريقيا، فالتعامل السطحي مع النظم الحاكمة ليس سبيلا حقيقيا لضمان مصالحها ودوامها.
نحن لنا في حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمل في قوله: “اطلبوا العلم ولو في الصين” لبعدها جغرافيا في ذلك العهد، ولعله آن الأوان اليوم أن يتعلم الأفارقة وغيرهم من المسلمين في الصين، وأن يتدربوا وأن يصنعوا بعد أن يأخذوا العلم النظري المتبوع بالممارسة والتطبيق، وقد أفاد المسلمون قديما من الصين صناعة الورق مما أهلهم لكتابة العلم وتدوينه والإبداع فيه.
وأظن أن المسلمين في الصين يحبون وطنهم ويرغبون في العدالة واحترام دينهم الذي يتعايش مع البوذية والكونفشوسية ذات الحكمة السياسية والأخلاقية الراسخة في تاريخ الصين المشرق في صناعة الحضارة قبل الغرب بقرون متطاولة وهم اليوم أكبر منافس للولايات المتحدة وأوروبا.