سقطات وتصريحات ومفارقات !!
بقلم: عبد الحميد عبدوس
يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، لم تعد تكتفي في حربها الحاقدة على الفلسطينيين والسعي إلى تصفية قضيتهم التحررية العادلة بالدّوس على الشرعية الدولية، والتنكر لمواثيق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص القضية الفلسطينية، ولكنها لم تعد تتردد في استعمال الابتزاز والوعيد لحمل الدول الأخرى على اتباع سياستها المارقة في هذا المجال.
فبعد أن أعلنت حكومة رئيس باراغواي الجديد ماريو عبده بينيتيز، وهو من أصول لبنانية، يوم الأربعاء 5 سبتمبر الجاري (2018) أنها ستعيد نقل سفارتها في إسرائيل إلى تل أبيب، موضحة في بيانها أن قرارها يأتي:” للمساهمة في تكثيف الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية بهدف التوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط”. سارع ممثل اليمين الإنجيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، يوم الخميس 6 سبتمبر الجاري (أي بعد يوم واحد من إعلان الباراغواي) إلى الضغط بقوة على رئيس باراغواي عبده بينيتيز طالبا منه التراجع عن قراره، والإبقاء على التزام بلاده السابق بنقل السفارة إلى القدس.
وكانت حكومة رئيس باراغواي السابق، أوراسيو كارتيس قد قامت في21 مايو الماضي بنقل سفارتها إلى القدس، لتكون بذلك ثالث دولة تنقل سفارتها إلى القدس بعد الولايات المتحدة، وغواتيمالا، خلافا للإجماع الدولي بإبقاء السفارات خارج القدس بالنظر إلى الوضع المتنازع عليه للمدينة. وقد احتفلت إدارة ترامب في 14ماي 2018 بنقل سفارتها إلى القدس بالتزامن مع الذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين. وقبل الطلب من الباراغواي الإبقاء على سفارتها في القدس المحتلة، أوقفت الولايات المتحدة يوم الجمعة 31 أوت المنصرم (2018) كل التمويل الذي كانت تقدمه لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) التي تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية وقطاع غزة.
في خطوة عدائية أمريكية أخرى لإسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم التي هجروا منها بالقوة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أعلنت إدارة ترامب إزاحة قضية حق الفلسطينيين في القدس من طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين !
وعن دلالات وتداعيات قرار ترامب بشأن (الأونروا)، رأى الصحفي البريطاني الشهير ديفيد هيرست أن قرار ترامب سيتسبب في خلق أزمة داخلية في بلدين عربيين من حلفاء بلاده هما الأردن ولبنان، حيث أن استقرار كل واحد من هذين البلدين يتوقف على الإبقاء على تعريف اللاجئ الفلسطيني كما هو، وقال في مقاله المنشور بموقع (ميدل أست آي):” في آسيا، اجتمع ترامب مع زعيم كوريا الشمالية في لقاء قمة دون وجود خطة. أما في الشرق الأوسط، فلديه خطة لا قبل له بتحويلها إلى لقاء قمة، وفي كلتا الحالتين يشكل ترامب خطرا حقيقيا”.
وليس الصحفي ديفيد هرست هو وحده من يعتقد أن دونالد ترامب يشكل خطرا حقيقيا على العالم وحتى على الولايات المتحدة الأمريكية.
فقد جاء في مقال نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية يوم الخميس 6 سبتمبر الجاري (2018) بعنوان “أنا جزء من المقاومة داخل إدارة ترامب”، لكاتب مجهول يعتقد أنه مسؤول كبير في البيت الأبيض:” أن مسؤولين كبارا في إدارة ترامب، عبروا عن انزعاجهم الشديد من سلوك الرئيس “غير المنضبط” و”غير الأخلاقي” وإنهم يعملون بجد لإحباط ما يفعله الرئيس”.
وقبل ذلك بيوم واحد نشرت مقاطع مأخوذة من كتاب جديد بعنوان (الخوف: ترامب في البيت الأبيض) للصحفي الأمريكي الشهير بوب وودورد الذي فجر بالاشتراك مع زميله في صحيفة واشنطن بوست كارل بيرنشتاين فضيحة (ووتر غيت) التي أدت إلى سقوط الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون وإخراجه من البيت الأبيض… ومما جاء في كتاب وودورد الجديد:” أن مساعدين سابقين وحاليين لترامب كانوا يخفون وثائق مهمة عنه لمنعه من التوقيع عليها أو عملوا بخلاف أوامره”، كما وصف البيت الأبيض في ظل رئاسة دونالد ترامب بأنه غارق في “انهيار عصبي” دائم.
أما الجنرال المتقاعد جون كيلي رئيس موظفي البيت الأبيض، فقد قال:” إننا نعيش الجنون الشامل… هذه أسوأ وظيفة توليتها في حياتي”.
وكان جيمس كومي المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف.بي.آي) قد وصف في كتابه بعنوان (ولاء أكبر: الحقيقة والأكاذيب والزعامة) الذي نشر في شهر أفريل الماضي (2018) دونالد ترامب بأنه “غير أخلاقي”، ومهووس بالسيطرة الكاملة على من حوله وبالحصول على ولائهم المطلق، وان قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبلاد “مماثلة بشكل لافت للنظر” لأسلوب زعيم عصابة !
كما أن السيناتور الجمهوري جون ماكين، أحد أبرز الشخصيات السياسية الأمريكية، الذي توفي 25 أوت 2018، فقد وصف دونالد ترامب بـ”الرجل المندفع”، واتهمه قبل وفاته:” بالخيانة وعدم احترام قيم الولايات المتحدة وبمهاجمة الإعلام وعدم احترام حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين”.
وذكر الكاتب الصحفي مايكل وولف في كتابه الصادر في 5 جانفي 2018 تحت عنوان (نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض):” إنه في الأسابيع الأولى من رئاسته ظهرت نظرية في أوساط أصدقاء ترامب بأنه لا يتصرّف كرئيس أو أنه يأخذ بعين الاعتبار منصبه الجديد أو يضبط سلوكه من تغريداته الصباحية إلى رفضه متابعة الملاحظات النصية إلى اتصالات الاستعطاف التي يجريها مع أصدقائه..كما أن معايير دونالد ترامب في اختيار فريقه ومستشاريه تخضع لأهوائه ومشاعره الشخصية” ومع كل هذا، يبدو أن الذين مازالوا يصرون على إبداء الإعجاب والتأييد للولايات المتحدة ورئيسها “المندفع” و”غير الأخلاقي” هم بعض المشايخ السعوديين، بالإضافة إلى زعماء اليمين الصهيوني المتطرفين، ففي العام الماضي (سبتمبر 2017) قال الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عبد الرحمن السديس: إن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقودان العالم نحو الأمن والسلم والاستقرار”.
أما الداعية السعودي خالد بن عبد الله الغليقة فقد زعم في كتابه (مسائل شرعية وقضايا فكرية معاصرة)، أن “سقوط الولايات المتحدة سيؤدي لضعف المسلمين ويرفع مؤشر التفرق والتشتت بينهم”.
ومن جهته، لا يكل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من مدح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والثناء على شجاعته وتأييده لإسرائيل قائلاً:” لا يوجد مؤيد (للشعب اليهودي) و(للدولة اليهودية) أكبر من الرئيس دونالد ترامب”.
وإذا كان من المبرر والمنطقي أن يثني نتانياهو على صديقه وحامي دولته دونالد ترامب، فما السر في مدح بعض شيوخ السعودية لرئيس أظهر كراهيته للإسلام والمسلمين، ووظف قوة ونفوذ بلاده للدوس على حقوق الفلسطينيين واعتبار القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين عاصمة أبدية للدولة المحتلة، إسرائيل؟ !