الرئيس الفرنسي يفتح ملف تنظيم “الإسلام الفرنسي” ويجري اتصالات موسعة مع الفعاليات الإسلامية في فرنسا/سعدي بزيان
هل يتخذ ماكرون كتاب صديقه كريم القروي دليلا لتنظيم الإسلام الفرنسي؟ وهل ما ورد في كتاب هذا الرجل يقدم حلا لإشكالية تنظيم الإسلام في فرنسا؟ إن كتاب كريم القروي:
L ISLAM une riligion française
فالعنوان في حد ذاته مثير للتساؤل حقا فالرئيس ماكرون قد أبدى إعجابه بثلاث شخصيات وهو يتحدث عن نيته في تنظيم: الإسلام الفرنسي وفي مقدمتها كريم القروي وجيل كيبال وهو باحث في قضايا الإسلام في فرنسا وله أكثر من كتاب ودراسة في الموضوع، والشخصية الثالثة هو ممثل الجالية اليهودية في فرنسا ولا نعرف له إلماما بالإسلام والمسلمين وقد يكون ضليعا في الديانة اليهودية، وهل يفيد ذلك في تنظيم الإسلام الفرنسي؟ ولا نجد في هذه القائمة اسما لشخصية معروفة في الثقافة الإسلامية، كما أن عميد مسجد باريس همش نهائيا في الموضوع وهناك فقط. د-غالب بن الشيخ في القائمة.
هل يصلح كتاب كريم القروي أن يكون دليلا في تنظيم الإسلام الفرنسي؟ لاشك أن كتاب كريم القروي الذي هو خلاصة لدراسة أعدها الكاتب لفائدة “معهد مونتان”LINSTITUI MONTAIGNE وما يثير استغرابنا هو هذا الإعجاب بكتاب صاحبه لا يربطه بالإسلام سوى انتمائه للإسلام، فهو تونسي الأصل فرنسي الجنسية وأمه فرنسية وثقافته فرنسية، تربطه علاقات حميمة مع ماكرون بحكم أنهما عملا معا في بنك روتشيلد الملياردير اليهودي، وكيف يمكن إذن اعتباره واعتبار كتابه مرجعا يمكن اعتماده في تنظم “الإسلام الفرنسي” وهو شخص لم يتخرج من جامعة إسلامية، ولعل التساؤل الذي طرحه كل من أليكسندر دوفيشو وبول ساسي والقائل: كيف يمكن أن يكون الإسلام فرنسيا؟ هو سؤال في محله بينما نرى كريم حريصا كل الحرص على تحرير الإسلام الفرنسي من نفوذ أجنبي وإعطاء الكلمة للجيل الجديد الفرنسي المسلم لقيادة الإسلام الفرنسي وإبعاده عن النفوذ الأجنبي الذي شل الإسلام وأبعده عن القيام بدوره الفعال “وقد صب كريم القروي جام غضبه على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي -حسب قوله- لم يفعل شيئا مهما في خدمة الإسلام والجالية الإسلامية وذلك منذ تأسيسه 2003 حتى الآن بالمبادرة من ساركوزي الذي كان يومئذ وزيرا للداخلية.
ماذا يريد ماكرون أن يعمل من أجل الإسلام في فرنسا؟ وكيف يرى في تخيلاته الإسلام الفرنسي؟
إن ماكرون حسب ما عبر في جريدة الأحدLe Journal Du Dimanche سوف يبعث الحياة في تنظيم هذه الديانة والعمل على تقليص نفوذ الدول الأجنبية التي تتدخل في الإسلام الفرنسي عبر تمويلها للمساجد وإرسالها للأئمة وهذا واقع يريد ماكرون التخلص منه، ولكن كيف؟ هل ينفذ اقتراح بيير شفينما القائل: على فرنسا إنشاء كلية لاهوتية لتخريج الأئمة وهذا كان اقتراح كل من المرحومين محمد أركون وعلي مرّاد غير أن اقتراحهما بقي حبرا على ورق، وتساءلت بعض الصحف قائلة: هل نجح ماكرون في إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لنقد شديد؟ وكيف يمكن إذن أن ينجح في الإصلاحات ذات الصلة بالإسلام الفرنسي؟ وهل ينجح وزير داخليته جيرار كولومب في إصلاح المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؟ وما يثير استغرابنا هو أن ماكرون اعتبر أركان الإسلام الفرنسي في فرنسا هم ثلاثة كريم القروي جيل كيبال وممثل الجالية اليهودية في فرنسا.
تمويل الإسلام الفرنسي والاستغناء عن التمويل الأجنبي، وكيف؟
يبدو أن الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون يريد أن يضع الإسلام الفرنسي على السكة المتينة، وأن يتجاوز كل المحاولات السابقة الساعية إلى تنظيم الإسلام الفرنسي وهيكلته وإيجاد هيئة إسلامية فعالة تبث الحرارة في جسمه ولكن كيف؟ وقد عشنا تجارب عديدة قام بها المسؤولون الفرنسيون في هذا المجال بدءا من العهد الاشتراكي في ظل جمهورية فرنسوا متيران الذي وصل إلى الحكم في مايو 1981 وكلف وزير داخليته بيرجوكس على أن يعمل على تنظيم الوجود الإسلامي في هيكل استشاري قادر على التفاوض مع المسؤولين الفرنسيين في شأن قضايا الإسلام والمسلمين، وشكل بيرجوكس هيئة استشارية وضع على رأسها عميد مسجد باريس الذي كان يومئذ المرحوم د-هدام ومات هذا التنظيم قبل أن يتبلور وجوده وجاء بيير شفينما وهو من الحزب الاشتراكي، وأجرى استشارات مع الفعاليات الإسلامية العاملة في الساحة، فلم تسفر هذه الاستشارات على إنشاء هيئة إسلامية استشارية، وربما كان ساركوزي من اليمين المعتدل وهو وحده الذي استطاع أن ينشأ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ووضع على رأسه عميد مسجد باريس الحالي دليل بوبكر الذي يتخبط في مشاكل والذي أقصته السلطات الفرنسية وتجاوزته مؤخرا ويتعرض لنقد شديد من الإعلام الفرنسي، ولاشك أن القراء قد اطلعوا على عدة مقالات تتهم إدارة مسجد باريس بالتقصير وسوء التسيير، والموضوع يحتاج إلى دراسة موسعة وليس هنا مجالها، وعلى السلطات في الجزائر إعداد خطة علمية تشارك فيها عناصر مثقفة من الداخل والخارج نحو بناء سياسة جزائرية للعمل في الساحة الإسلامية بفرنسا بالنظر إلى عدد جاليتنا وتاريخها النضالي وكيف يمكن أن تواجه المستقبل في ظل تحديات داخل فرنسا وحرب خفية من الأقارب، وقد لاحظنا أن السلطات الفرنسية في ظل جمهورية ماكرون تقترب كثيرا من شخصيات مغربية، فقد ذكرت جريدة لوجوغنال ديمونش أن ماكرون استشار أنور كبيبش رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية سابقا فيما يتعلق بإعادة تنظيم جديد للإسلام الفرنسي، وأكد له أنه بصدد إعداد دراسة في الموضوع سوف يقدمها إليه وهو للعلم يحتل مكانة في تنظيم الإسلام في فرنسا لفائدة الحكومة المغربية، ولا ينبغي أن تبقى الجزائر خارج حلقة هذا التنظيم بحكم علاقاتها التاريخية في فرنسا وقوة جاليتها وتاريخها العريق، وهي قادرة على بلورة سياسة عقلانية تخدم الجالية الجزائرية والإسلامية معا في فرنسا انطلاقا من رؤية منطقية تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجزائر في هذه الديار في المستقبل.
إن الفرنسيين حسب ما أرى وأقرأ يريدون إسلام فرنسا بتمويل مسلمين فرنسيين بأموالهم عن طريق فرض رسوم على لحم الحلال الذي يعتبر اليوم سوقا ماليا يدر ذهبا على أصحابه وهم على هذا الأساس قادرون على تمويل الإسلام الفرنسي مع نشاط الحجاج حوالي 30 ألف حاج يتوجهون سنويا إلى البقاع المقدسة وتصل تكاليف الحاج الواحد حوالي 6000 أورو وبرسوم تفرض على الحجاج ولحم الحلال لكسب معركة تمويل الإسلام الفرنسي خارج الأيادي الأجنبية “تركيا الجزائر المغرب”.
إن سوق لحم يزن حجمه الاقتصادي حوالي 5.5 ملايير أورو كذلك أنه ما بين 5 إلى 6 ملايين مسلم الذين يعيشون في فرنسا عبر حوالي 70 بالمائة منهم أنهم لا يأكلون إلا لحم الحلال المذبوح على الطريقة الإسلامية، وذكرت إحصائيات أخرى نشرت في سنة 2017 أن سوق لحم الحلال يدر 7 ملايير أورو منها 5 ملايير لأصحاب المطاعم، وهناك كميات كبيرة من لحم الحلال تصدر إلى دول الخليج وإيران، والمصدر الثاني في تمويل الإسلام الفرنسي هو الحج والعمرة حيث هناك 30 ألف شخص مسلم سافر من فرنسا إلى الأرض المقدسة لأداء الحج والعمرة وهؤلاء ينفقون في سبيل ذلك 250 مليون أورو.
ويرى السياسيون الفرنسيون ومعهم كريم القروي صاحب كتاب “الإسلام ديانة فرنسية”
أن من خلال فرض رسوم مالية على لحم الحلال والحج بالإضافة إلى تبرعات أخرى يمكن تمويل الإسلام الفرنسي والتخلص من تبعية الدول الأجنبية التي ترسل إلى فرنسا أئمة وتدفع مرتباتهم في حين تريد الحكومة الفرنسية والمنظمون الفرنسيون من أمثال كريم القروي أن تكون لفرنسا قيادة الإسلام الفرنسي توجيها وقيادة وألا تتحمل بقية التمويل ذلك أنها بلد علماني وقانون العلمانية يمنع تمويل الديانات باستثناء قانون الكونكورد المعمول به في الألزاس في شرق فرنسا ستراسبورغ وما جاورها وهذه المنطقة خارج نطاق قانون العلمانية فرجال الدين فيها يتقاضون مرتبات وتتكفل الحكومة بترميم مؤسساتهم الدينية والمؤلم في الموضوع أن هذا القانون لا يشمل الديانة الإسلامية رغم الطلب الملح من رجال الدين المسيحيين واليهود معا الذين طالبوا أكثر من مرة تطبيق هذا القانون أيضا على الديانة الإسلامية دون نتيجة لحد الآن.
إشكالية تكوين الأئمة ودفع مرتباتهم
إن الحكومة الفرنسية ومنذ مدة عبرت عن عدم ارتياحها لأئمة ترسلهم أوطانهم الأصلية “الجزائر المغرب تركيا” وإلى حد ما السعودية عبر رابطة العالم الإسلامي، وكانت الحكومة الفرنسية تتذرع بأن هؤلاء الأئمة لا يعرفون الفرنسية ولا يعرفون العلمانية وقيم الجمهورية واستجابة لذلك ولدت عدة مؤسسات إسلامية في فرنسا تتكفل بتكوين الأئمة والمرشدين وفي مقدمة هذه المؤسسات “معهد العلوم الاجتماعية” بمدينة سان دوني التابع لاتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا المتهم بالموالاة لتيار الإخوان المسلمون في مصر، والمعهد الثاني وهو “معهد الغزالي” التابع لمسجد باريس والذي تموله الجزائر وتدفع مرتبات أساتذته الدولة الجزائرية بدون أن تشارك الحكومة الفرنسية ولو بمبلغ مالي رمزي، وقد تعهدت بعض الجامعات الفرنسية بمنح تكوين لهؤلاء الأئمة في ميدان العلوم الاجتماعية وخاصة دراسة المؤسسات الفرنسية حين يتولى كل من معهد العلوم الاجتماعية في سان دوني ومعهد الغزالي التكفل بالتكوين في المجال الديني، وما أعرفه هو أن معهد الغزالي تخرجت منه عدة دفعات ولم يتم توظيف أحد منهم حسب معلوماتي.
وفي سبتمبر 2005 أبرمت الحكومة الفرنسية في عهد فرانسوا هولاند اتفاقا مع المغرب يتولى بموجب هذا الاتفاق “معهد محمد السادس” في الرباط تكوين الأئمة وقد تم إرسال عدة طلبة مسلمين فرنسيين من فرنسا لتكوينهم كأئمة في هذا المعهد الذي يحتضن عدة طلبة من إفريقيا جاؤوا خصيصا للتكوين في معهد محمد السادس بالرباط والهدف من وراء هذا كله هو التخلص من التبعية الأجنبية فيما يتعلق بتكوين الأئمة ومؤخرا اقترح بيير شفينما رئيس مؤسسة تمويل الإسلام الفرنسي أن على فرنسا تأسيس جامعة خاصة بتكوين أئمة في فرنسا يجمعون بين الثقافة والحضارة الفرنسية والثقافة والحضارة واللغة العربية وتمول هذه الجامعة من الأموال العمومية، وكان هذا الاقتراح تقدم به كل من محمد أركون وعلي مراد رحمهما الله إلى الحكومة الفرنسية، وبقي هذا الاقتراح حبرا على ورق ورأي بيرنارغوار بأن هذا الاقتراح حساس ومن الخطأ أن تضل فرنسا تطلب أئمة من دول أجنبية وبيرناغوار هذا للعلم شخصية فرنسية لها اطلاع على موضوع الإسلام في فرنسا من خلال الوظائف التي شغلها في عدة وزارات للداخلية وحصل أن قام بالتدريس في معهد الغزالي التابع لمسجد باريس وهو متزوج بجزائرية وله كتاب:”المسألة الإسلامية في فرنسا”.