الأسرة المسلمة وتحديات الحداثة/ عبد القادر قلاتي
ليس لنا من وظيفة اليوم سوى الدفاع عن مفهوم الأسرة كما قرَّره الفكر الإسلامي؛ لأن الفكر المعاصر المتفلت من المنطق الديني والمعادي له، حسم الكثير من قضايا الاسرة وفق رؤية مخالفة تماما للتصور الديني، ومتجاوزة للكثير من الحقائق التي ترتبط بالإنسان من حيث الفطرة التي خلقه الله عليها، وأي كلام اليوم عن تحديث مفهوم الأسرة لا يخرج عن حالتين اثنتين، إما منطق الدفاع وتكثيف الحصانة الداخلية للأسرة، وإما التسليم بمقولات الحداثة ومنجزاتها حول الأسرة المعاصرة التي انمحت الكثير من معالمها في المجتمع الغربي المعاصر.
فالأسرة في الرؤية الغربية تقوم على مغالطة علمية أسست لمفهوم تارخي خاطئ “ينكر أصالة قيام الأسرة منذ العهود البشرية الأولى (وهو يستمد هذا من بعض نتائج علم الأنثرولولوجيا)، كما استمد منه مفهوماً آخر زائفاً هو أن البشرية بدأت وثنية ثم عرفت التوحيد!“، ولأن الحداثة الغربية في قضايا الاسرة وغيرها من قضايا الانسان المعاصر، تخالف المنطق الديني، فهي تريد العودة بالإنسان إلى نظام التقليد القديم، الماقبل ديني.
استحضرت هذا المعنى وأنا استمع لمحاضرات حول الأسرة المسلمة في الجامعة الصيفية التي أقامتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والحق أننا في حديثنا الدائم حول الأسرة نتكلم عن التحديات المعاصرة بلغة عنيفة وصادقة، لكنها لغة فاقدة للفعَّالية الاجتماعية، وبالرغم من أنَّنا نلاحظ التَّحولات الخطيرة التي تصاحب مسيرة الأسرة المعاصرة، إلاَّ أنّنا لا نملك رؤية للتعاطي مع هذه التحولات بما يخدم الأسرة المسلمة اليوم، فالنقد الذي نوجهه للرؤية الغربية قائم على ثنائية التسليم الباطن والرفض الظاهر، فنحن نعيش حالتين مختلفتين قوامهما الانخراط المفضوح في ثنايا الحداثة، والرفض السافر الكاذب لها، وبنظرة بسيطة للمجتمعات العربية والإسلامية تتضح الصورة جلية واضحة.