إنه الله … / عبد العزيز كحيل
لا ترحل للبحث عنه أو للقائه فإنه قريب منك، بل هو أقرب إليك من حبل الوريد.
إن كنت مريضاً التمس منه الشفاء -وأنت تعالج – لأنه هو الشافي… لك قدوة في أيوب عليه السلام.
إن كنت مهموما فاطرق بابه واشكُ بثّك وحزنك إليه، فقد سلك ذلك المسلك يعقوب عليه السلام فأذهب الله عنه الحزن.
إن كنت مظلوماً فارفع إليه شكايتك وسيفتح له أبواب السماء وينصرك ولو بعد حين… قال عن نوح ” فدعا ربه أني مغلوب فانتصرْ” …ثلاث كلمات فقط فانهمرت السماء وفاضت الأرض استجابة لشكواه.
أقبلْ عليه مباشرة، هذا أفضل من سلوك الدروب الملتوية والترحال بين أبواب ذوي الأموال والمناصب والجاه: “لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى، يسير والمكان الذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه، ولكن ارحل من الأكوان ( الكائنات المخلوقة ) إلى المكوّن (الخالق عزّ و جلّ ) كما ورد في الحٍكم العطائية.
كيف تتهيّب وبابه مفتوح بالليل والنهار لا يُغلق دون التائبين وأصحاب الحاجات أبدا، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
ذلك الذي تقصده لقضاء شؤونك من المسؤولين والضباط والأغنياء لا يفتح لك بابه إلا حينا من نهار، مرة أو مرّات معدودة، أما رب العالمين جلّ جلاله فيفرح بتردّدك عليه وتكرار طرق بابه آناء الليل وأطراف النهار، يحبّ ذلك ويرضاه لك ويأجرك عليه، لأنه… الله .
ليس على بابه حاجب يردّك لسبب أو لآخر، وليست هناك تشريفات معقّدة تُلزَم بها سوى تخلية قلبك وتحلية سلوكك.
خلقك بيده من دون المخلوقات وأسجد لك الملائكة أفتحتاج إلى وسائط لتقبل عليه وتناجيه وتبثّ له ما تشاء ؟ “اسجدْ واقتربْ” فقط.
فرّ إليه بالليل والنهار هاربا من ذنوبك، من همومك، من ضيق الدنيا، من الظالمين، من نفسك الأمارة بالسوء، من الشبهات والشهوات التي تلاحقك وتحاصرك… ولن تعود من باب حضرته إلاّ سالما غانما إذا أحسنت الفهم عنه والتعامل معه.
كيف تبحث عنه وقد اشتدّ ظهوره حتى اختفى؟ فهو “الأول والآخر والظاهر والباطن”.
“إنما احتجب لشدة ظهوره وخفي عن الأبصار لعظم نوره ” كما يقول الإمام ابن عطاء في حِكَمه.
تجده في محراب الصلاة وقاعة الدرس ومخبر البحث العلمي والمكتبة وعند المنكسرة قلوبهم… هو هناك بعلمه وإحاطته وأمره وتأييده.
إنه يحب أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى، وهو عند ظنّ عبده به فلْيظنّ به ما يشاء، وقد أُمرنا ألا نموت إلا ونحن نحسن الظنّ به… واعلمْ أن كل من يعسّر عليك طريق لقاء الله ويصطنع العراقيل والعقابيل فإنما هو قاطع طريق فلا تُبالِ به مهما كان.
أقبلْ عليه بثقة وهمّة ولا تنس فقط أنه يُبغض الجاهلية كلها: الفكر الجاهلي والقلب الجاهلي والسلوك الجاهلي.
فرّ إليه كما أمر وأنت تشعر أن الفرار إليه دواء نفسي قوامُه الدعاء والشكوى والتذلل والتحلل من الحول والقوة ومن أيّ زعم وادّعاء، فالفرار قارب نجاة، لكنه ليس فراراً من الواقع المنحرف بل استعلاء عليه بالإيمان واليقين، واستمداد لعون السماء من أجل إصلاح أحوال الأرض.
أكثر من قول “حسبنا الله ونعم الوكيل” كما هو دأب الربانيين، فهي كلمة الواثق برحمة الله المطمئن إلى حمايته له ودفاعه عنه وانتصاره له، إنها عبارة تعني أن المظلوم المتضايق المغلوب على أمره في دنيا الناس قد رفع القضية من عدالة الأرض إلى عدالة السماء.
أصبحْ وأمسِ على تعظيم الجليل سبحانه وتعالى لأن تعظيم الجليل أقصر طريق إلى تحقير القليل (الدنيا)، واعلمْ أنه إذا عظم الجليل في قلبك هانت الدنيا وصغرت في نفسك، وإذا حصل ذلك كنت حرا لا عبوديتك لك إلا لله صاحبِ القوة والقدرة والعزة والغنى مقابل ما أنت عليه –بحكم عبوديتك – من ضعف وعجز وذل وفقر، فاستكملْ نقصك بالكمال، فرّ من ضعفك إلى قوته وتخلص من فقرك بغناه ولُذْ من مخاوفك بحصن حمايته.
بهذا تتعرف على ذاتك وتكتشف بصمات العبودية في نفسك.