فضـل العشـر الأوائـل من شهــر ذي الحجــة/ يوسف جمعة سلامة
أخرج الإمام الترمذي في سننه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم – 🙁 مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ- رسولُ اللهِ – صَلَّى اللََّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بشَيْءٍ)(1).
يستعد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لاستقبال أيام مباركة، إنها العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، فهي أيام مباركة طيبة أقسم الله بها في كتابه الكريم لبيان فضلها وعلوّ قدرها.
يَا لَهاَ من أيام مباركة عند الله، عز وجل، الأعمال الصالحة فيها مضاعفة والثواب كبير، فرحم الله عبداً استقبل هذه الأيام الفاضلة بالتوبة وطاعة الله، وأكثرَ فيها من صالح الأعمال وكريم الفعال، فصلّى وصام وتصدَّق واغتنم حياته بفعل الخيرات، فقدَّم بين يديه يوم القيامة أعمالاً صالحة وطاعةً لله خالصة، تكون حجاباً له من النار ومرشداً يأخذ بيده إلى جنة الرحمن، فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري: والذي يظهر أن سبب امتياز هذه الأيام العشر اجتماع أمهات العبادات فيها وهي: الصلاة، والصدقة، والصيام، والحج، ولا تجتمع إلا في هذه الأيام.
أفضـل الأعمـال في هـذه الأيــام
إذا عرف المسلم فضل عشر ذي الحجة، وشرف العمل الصالح فيها، فحريٌّ به أن يجاهد نفسه لاغتنام أيامها ولياليها بالعمل الصالح وتنويع الطاعات والقربات فيها، ومن هذه الأعمال الصالحة:
* التكبير والتهليل والتحميد:
من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى في هذه الأيام العشر الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}(2)، قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآية السابقة:(عن ابن عباس- رضي الله عنهما- : الأيام المعلومات أيام العشر)(3)، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال:( قال رسولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– : مَا مِنْ أَيّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتحْمِيدِ)(4)، كما ورد أن الإمام البخاري – رحمه الله – قال 🙁 وَكَانَ ابنُ عُمَرَ وأبُو هُريرةَ – رضي الله عنهم – يَخْرُجَانِ إلى السُّوق في أيّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، ويُكَبِّرُ الناسُ بتَكْبِيِرهِمَا)(5).
ومن المعلوم أن الذكر حياة القلوب ونعيمها، كما قالَ رسولُنا – صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ- 🙁 مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ )(6) .
* الصيـام:
الصيام فضله عظيم وأجره كبير، وهو مِمَّا اصطفاه الله سبحانه وتعالى لنفسه، كما جاء في الحديث القدسي:” كُل عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ“(7)، لذلك فإن صوم هذه الأيام مستحب كما جاء في الحديث الشريف:( كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ- يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاثَةَ أَيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ)(8)، ويتأكد صيام يوم عرفة
( التاسع من شهر ذي الحجة) لغير الحاج ، حيث اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج، لما جاء عن أبي قتادة الأنصاري– رضي الله عنه – أن رسولَ اللهِ – صَلى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ– سُئل عن صوم يوم عرفة فقال:” يُكَفِّرُ السنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيةَ“(9).
* الإكثار من الأعمال الصالحة:
عليك أخي المسلم أن تحرص على الإكثار من الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة، وأن تتعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى، وأن تتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات من صلاة وصدقة وقراءة للقرآن، وأن تحرص على قيام الليل وأعمال البرّ والخير وصلة الأرحام، فإنها من الأعمال التي تُضَاعَف في هذه الأيام المباركة، ومن المعلوم أن الأجور في هذا الموسم تتضاعف، فاجعلها نقطة الانطلاق إلى رحاب الإيمان وميادين المسابقة في الخيرات، وإن عجزَ أحدٌ عن ذلك فلا أَقَلَّ من أن يكفَّ شرَّه، وينتهي عن المعاصي، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ( سَأَلْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَعْلاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ ضَائِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَِخْرَقَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنْ الشَّرِّ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ) (10).
* تأدية الحج والعمرة:
الحج من أفضل العبادات وأجلّ الطاعات، وهو أشرف عمل يؤديه المسلم في هذه الأيام المباركة؛ لِمَا فيه من الثواب العظيم والأجر الجزيل، كما أن العمرة عبادة عظيمة فيها منافع كثيرة، وقد بَيَّن– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– فضل الحج والعمرة، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:( العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَج المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنةَ)(11)، وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 🙁 الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ)(12)، وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضاً:( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ للْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلا الْجَنَّةِ)(13).
* فضل يوم النَّحر:
يوم النَّحر يوم عظيم مبارك، يوم عيدٍ للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وفي هذا اليوم المبارك يتذكر المسلمون حادثة التضحية والفداء مع سيدنا إبراهيم –عليه الصلاةُ والسَّلام-، حينما ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بذبح ولده إسماعيل فلذة كبده فلبّى نداء ربه طائعاً، ومن أعظم القربات التي يتقرّبُ بها المسلمون إلى ربهم في ختام هذه الأيام المباركة الأضاحي، فمن أراد أن يُضَحّي عن نفسه أو أهل بيته ودخل شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يذبح أضحيته؛ لما روته أمّ سلمة عن النبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– أنه قال: “إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ “(14).
أخي القارئ : إن مواسم الطاعات لا تنقطع، فبالأمس القريب وَدَّعْنَا شهر رمضان المبارك الذي جعله الله سيد الشهور، وأفاض فيه الخير والنور، وها نحن في هذه الأيام المباركة نستقبل موسماً آخر من مواسم الطاعات، فمنْ قَصَّر في أيامه الماضية فعليه أن يستدرك ما فات، وأن يغتنم عمره قبل الممات، وأن يتوب إلى الله توبة نصوحا، فما أكرمه من إله، وما أرحمه بخلقه وعباده، يُجَابه الناس ربهم بالفسوق والعصيان ويخالفون دينه ويأتون ما نهى عنه، حتى إذا تابوا وأنابوا قَبِلَ الله توبتهم وغفر سيئاتهم وأحبَّهم ورفع درجاتهم، كما في قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(15).
يَا لَهَا من نفحات إلهية ومنح ربانية، أكرم الله بها ضيوف الرحمن خاصة والمسلمين عامة في هذه الأيام المباركة، فَمِنَحُ الله للأمة الإسلامية باقية إلى يوم القيامة، ولن تنقطع أبداً إن شاء الله .
نسأل الله أن يجعلها أيام خير وبركة على الأمتين العربية والإسلامية.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، إنه سميع مجيب الدعاء.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الهوامش:
1- أخرجه الترمذي.
2- سورة الحج الآية (28).
3- تفسير القرآن العظيم لابن كثير3/291.
4- أخرجه أحمد.
5- أخرجه البخاري.
6- أخرجه البخاري.
7- أخرجه الترمذي.
8- أخرجه أحمد.
9- أخرجه الشيخان.
10- أخرجه البخاري.
11- أخرجه الشيخان.
12- أخرجه ابن ماجه.
13- أخرجه الترمذي.
14 – أخرجه مسلم.
15 – سورة البقرة الآية (222).