بالمختصر المفيد

بين الوسيلة والغاية/كمال أبوسنة

هناك إشكالية فكرية وتربوية تعاني منها حركة الدعوة الإسلامية في الجزائر، وأسهمت بشكل كبير في وجود صراعات خفية مرة وظاهرة مرة أخرى بين أبنائها على مستوى القمة، ولم تسلم القواعد من هذا المرض نتيجة لذلك، وأدى في غالب الأحيان إلى تمزق الصفوف، والتراجع إلى الخلف، وذهاب وقار الدعوة والداعية..!

كان من المفروض أن لا ينسى الدعاة وهم يسيرون في طريق الدعوة -بمفهومها الشامل- أن هناك وسيلة وغاية، ولكل كلمة مدلولها الخاص، وفهم المدلولين من خلال ضوابط الكتاب والسنة أمر لابد منه لمن ربط نفسه بالعمل للإسلام، والالتزام بتعاليمه وفق مقاصده الكبرى.

فالوسيلة في مفهوم الإسلام هي عمل يتقرب به العبد إلى الله تعالى تعبدا وإرضاء له وحده، وهكذا يتضح أن الغاية التي نحيا لها ونموت، هي هذه الغاية العظمى” الله”، وكل ما يؤدي إلى هذا المعنى الجليل مهما يشتد بريقه ما هو إلا وسيلة.

ولكن للأسف وقع انحراف فكري وتربوي كان لابد على أهل العلم والدعوة في الحركة الإسلامية أن يسعوا لتصحيحه والتنبيه عليه، لأن المسألة تمس العقيدة في جوهرها أولا وقبل كل شيء، وتجعل منطلقات المسيرة غير سليمة تكتنفها الهزات، وتلهبها الصراعات، وتشوه جمال الإسلام..!

وهذا الانحراف يكمن في تحول الوسيلة في حد ذاتها إلى غاية، حتى أنها أصبحت-إن صح التعبير- محل الولاء والبراء عند كثير من السائرين في طريق الدعوة الإسلامية، فيحبون من أحبها ويبغضون من أبغضها، والأصل أن الحب يكون لله والبغض يكون أيضا لله، وهذا من كمال الإيمان، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان” أخرجه أبو داود.

إن تأسيس المؤسسات التي ترفع شعار الإسلام مهما يكن نشاطها ما هي إلا وسائل وُجدت لخدمة دين الله، مرضاة لله وحده، ومن الخطإ أن تتحول هذه الوسائل إلى غاية في نفسها تُخدم لذاتها فيعادي المنضوون تحتها من لا يسير في ركابها، أو يخالفهم ولا يتفق معهم، ورحم الله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي قال: ” كم مريد للخير لا يصيبه.. لأنه يريده بطريق الخطأ “..!

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه مسلم.

إننا بحاجة إلى أن ننشر الفهم الصحيح بين أبناء الدعوة الإسلامية فيما يخص مسألة تحديد الوسيلة والغاية حتى يسيروا في الطريق وهم على معرفة ووعي بهما، ويكونوا بحق عبادا لله وحده، شعارهم: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾. [الأنعام:162-163].

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com