غير مصنف

بحث في فائدة عائلات رجال جمعية العلماء ..رداً على أبواق” التاريخ في المزبلة”/محمد مصطفى حابس

أرسل لي هذا الأسبوع باحث سوري من الاخوة المهجرين قصرا في أوروبا، يطلب مني مساعدته للتعرف على وجوه بعض رجال جمعية العلماء الجزائريين، في صورة شمسية ملتقطة بالجامع الاموي في دمشق، يعود تاريخها لعهد الثورة الجزائرية المباركة، قصد مساعدة بعض زملائه من الباحثين لطلبة العلم، لا أدري في أي تخصص تحديدا.

طبعا الصورة قديمة لكن الوجوه واضحة المعالم في عمومها، وقد ذكر أسماء أو ُذكرت له منها وجوه علماء ومشايخ سورية ومشرقية معروفة في عالمنا الاسلامي في ذلك الزمان الجميل رغم الدمار والحصار الاستعماري لسوريا وغيرها من دول المنطقة، ومما جاء في المراسلة بعد التحية، أسفل هذه الصورة الشمسية هذا التعليق:

صورةٌ نادرةٌ التُقطت تحت قبّة النسر في الجامع الأموي الكبير في دمشق الفيحاء (كنانة الله في أرضه) عام 1956 م..

يظهر فيها اجتماعُ كبار علماء بلاد الشام لنصرة الشعب الجزائري..

يظهرُ في الصورة من اليمين وفي الحلقة الأولى:

– العلامة الشيخ عبدُ الوهّاب الصلاحي أحد أكبر خلفاء الشيخ محمد الهاشمي التلمساني بالعمامة واللحية البيضاء جالساً جلوس التشهد.

– وخلف كتفه الأيمن علّامة الشام وشيخُ الجامع الأموي فيما بعد الشيخ عبد الرّزاق الحلبي في شبابه..

– والعلامة الشيخ أحمد الدرع..

– والعلامة الشيخ رمزي البزم..

– ويظهرُ في الحلقة الثانية شيخ الطريقة الشاذلية وأستاذُ التوحيد العلامة الشيخ مُحمد الهاشمي..

– والعلامة الشيخ عبد الرحمن المجذوب..

– وشيخُ قرّاء الشام في وقته العلامة حُسين خطّاب..

– وخلفه العلامة الشيخ أحمد نصيب المحاميد..

– والعلامة الكبير الشيخ مُحمد سُهيل الخطيب الحسني (والد الشيخ عبد العزيز الخطيب الحسني)..

– والعلامة الشيخ عبدُ القادر الكيلاني مفتي حماة..

– والعلامة الشيخ بدر عابدين..

– والأمير العلامة الشيخ مُحمد سعيد الحمزاوي الجزائري الشاذلي نقيب الأشراف – والعلامة المحدث السيد مُحمّد مكي الكتاني

نفس الصورة، أرسلتها من جهتي لأستاذنا الدكتور محمد، المختص في علوم التراث، وأرسلتها لآخرين منهم مختص في علم الاجتماع و ثالث في التاريخ، قصد مساعدة الباحث السوري في التعرف على بعض الوجوه!! وردا على استفساراتي، من الأساتذة من كتب لي أن الصورة تؤرخ لمجهودات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الديبلوماسية والاغاثية، مؤكداً أن الشيخ البشير الابراهيمي هو من أرسل هذا الوفد، لما كان لاجئا في القاهرة، ثم ذكر بعض الأسماء لم يتأكد تحديدا من تاريخ تواجدها، ذكر مثلا الشيخ المرحوم إبراهيم مزهودي (سفير الجزائر في مصر في عهد الاستقلال) و أظن حينها الشيخ مزهودي كان سجينا، والشيخ الفضيل الورثلاني أظن أنه كان في اليمن، مؤكدا فقط أنه ممكن العلامة السوري محمد المبارك من أصول جزائرية (شقيق عالم اللغة العربية مازن المبارك، متعه الله بالصحة، وشقيقهم عدنان المبارك الذي عاد للجزائر و اشتغل في البنك الجزائري)، قد يكون معهم في الصورة.

أما آخر فكتب لي أن هناك العديد من الطلبة أوفدتهم جمعية العلماء للدراسة في الخارج خاصة في الزيتونة بتونس وفيهم من التحق بالمهاجرين في مصر وسوريا وحتى في العراق ممَّن أوفدتهم الثورة للدول العربية.. مذكرا بقوله أنه في سنة 1952 كلفت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ البشير الإبراهيمي بالسفر للشرق والسعي لدى الحكومات العربية لقبول أبناء الجزائر الذين تبتعثهم الجمعية في معاهدها وجامعاتها، وطلب العون المادي من حكومات العرب والمسلمين حتى تستطيع الجمعية أن تواصل أعمالها بقوّة، بعد أن اتسع ميدان عملها، فزار الشيخ الابراهيمي مصر ثم باكستان والعراق وسوريا والحجاز.

موضحا أنه في باكستان التقى الإبراهيمي بالأستاذ أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية وأعجب به أيما إعجاب، ولما قامت الثورة الجزائر المسلحة في سنة 1954 (1374هـ)، ومع انطلاقة الثورة الجزائرية انتقل الشيخ الإبراهيمي إلى مصر، حيث كانت حكومة عبد الناصر من أقوى الداعمين للثورة، والممدين لها بالسلاح والعتاد، ومن مصر أصدر البشير الإبراهيمي بياناته المؤيدة للثورة دون تردد أو شك، في وقت كثر فيه المشككون والمرجفون، ولازالت بعض أبواقهم لحد الساعة، تشكك في موقف جمعية العلماء من الثورة المباركة.

أما احد الأساتذة فكتب يقول لي، أن هناك العديد من الصور والكتب والملفات والوثائق النادرة بندرة هذه الصورة وأكثر، ذات قيمة تاريخية عظمى للأجيال، لازالت ترقد في الأرشيف الفرنسي والإنجليزي متسائلاً متى يماط عنها الغبار، وترى النور لتكشف لنا العديد من الأسرار ولوم ن وجهة نظر استعمارية بغيضة بحتة.

أما آخر، فكتب لي، لماذا النبش في القبور، علينا أن ننسى هذا التاريخ الدموي، و نكتب تاريخاً جديداً منصفاً للجميع، خاصة أمام الأبواق المأجورة التي تنعق منذ مدة بقولها “التاريخ في المزبلة”.

عجيب أمر الحرية حين يعيشها الإنسان ويحيا بها ويمارسها، ويُحاط بها في كل ما يأخذ ويترك، فإنها تفجر فيه طاقات لا حدود لها‏ إما سلبا أو إيجابا!!

وصدق أستاذنا الشيخ الطيب برغوث، الذي أشار لذلك بإسهاب عن المشترك التاريخي للأمة تعقيبا على كتابه: ” الدعوة الإسلامية والمعادلة الاجتماعية ” الذي كتبه ونشره في الجزائر منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، حيث قال: “إن المشترك التاريخي لمجتمعنا، تعرض زمن الوجود الاستعماري الغشوم، ويتعرض على أيدينا نحن زمن الاسقلال، لتشويهات خطيرة، تحول دون تمكين هذا المعطى الثقافي والحضاري الحيوي من تعميق وعينا التاريخي، وشحذ إرادتنا، ورفع فعالية وكفاءة إنجازيتنا الحضارية مع الأسف الشديد! فنحن نعاني من أزمة خطيرة في الوعي التاريخي، بسبب غفلتنا عنإغناء وتعميق وتوسيع هذا المشترك التاريخيالوطني الأصيل، وتجديد فاعليته لدى الأجيال بعد الاستقلال، وأفسحنا المجال للفراغ التاريخي الذي ملأه غيرنا بالشبهات والتشكيك والتكسير للرمزيات الوطنية، وبالبدائل الميتة والمميتة، حتى وصلنا إلى مرحلة صرخ فيها بعض أبنائنا في الشوارع: التاريخ في المزبلة!! بسبب هذا الفراغ والتشويه الذي تعرض ويتعرض له تاريخنا الوطني”.

واليوم ونحن نقرأ بعض الشهادات لرجال الحركة الوطنية قبل الاستقلال وبعده، ونقرأ ونسمع ونشاهد بعض الأصداء على ذلك، نحس فعلا بأن المشترك التاريخي الوطني الواسع – الذي ذهب إليه الشيخ الطيب- يكاد ينحسر أو لا يشعر به كثير من النّاس! وأنه ليس هناك من شيء معتبر ومشترك تعتز به الأجيال في هذا الميراث الوطني الضخم، وتتجمع حوله، وترتكز عليه! فالصراعات الفكرية والحزبية والفئوية والجهوية والطبقية، والنظرة التجزيئية، والآفاق الضيقة، والولوع باستسهال تقييم الآخرين بشكل سلبي، وتصفية الحسابات. كل ذلك ساهم ويساهم في القذف بأجيال المجتمع في فراغ فكري ونفسي وثقافي وحضاري خطير، جعلها كريشة في مهب أعاصير الصراع الفكري والثقافي والحضاري المنهك بل والمهلك!.

إنني ومن خلال كلّ هذه الاعتبارات والمخاطر التي تعرض ويتعرض لها المجتمع الجزائري وتاريخه، أدعو قادة الرأي العام من العلماء والمفكرين والباحثين وطلبة العلم والدعاة والأدباء والصحافيين والإعلاميين عامة، والفنانين والساسة، وكل الفاعلين الاجتماعيين، أن ينتبهوا إلى الأهمية الاستراتيجية القصوى للمشترك التاريخي الوطني المتجدد، وأن يساهموا جميعا في توسيعه وتعميقه، وتعزيز الوعي به لدى أجيال المجتمع، وأن يدافعوا عنه ويحموه بكل ما أوتوا من قوة، وأن يبتعدوا عن كلّ ما يؤثر سلباً على ذلك، وأن يستحضروا دائما قانون انتقام الأفكار المزيفة، وكونه يشكل أخطر أنواع قوانين الانتقام في حياة الأفراد والمجتمعات، وهو ما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من إحدى أخطر أسبابه، وجعلها من أكبر الكبائر، ألا وهي شهادة الزور المزيفة للحقائق، كما جاء في الحديث: (ألا أنبِّئُكم بأَكبَرِ الكبائرِ. قُلنا: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشراكُ باللَّهِ، وعقوقُ الوالدينِ – وَكانَ متَّكِئًا فجلسَ- فقالَ: ألا وقولُ الزُّورِ وشَهادةُ الزُّورِ، ألا وقولُ الزُّورِ وشَهادَةُ الزُّورِ. فما زالَ يقولُها، حتَّى قلتُ: لا يسكتُ). والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com