مع الأستاذ محمد الهادي الحسني ../د. حسن خليفة
شرُفتُ بزيارة الأخ الأستاذ الكبير محمد الهادي الحسني في بيته، للإطمئنان عليه أولا ، والاستئناس برأيه وفكره ثانيا. ولقاء الأستاذ الحسَني مناسبة مفيدة عادة، أما الجلوس إليه فربح وفير بحمد الله تعالى ، لما يحمله من فكر وثقافة ومعرفة وإلمام بالتأريخ والوقائع؛ خاصة ما اتصل بتاريخ الجزائر والتأريخ لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين .وقد كنتُ كتبتُ سطورا وجيزة عن هذه الزيارة العجلى ولكني أحب أن أضيف إليها ما أعتقد أنه مفيد للإخوة القراء والقارئات .
أـ مما يُعرف وينبغي أن يُعرف عن الأستاذ الكبير محمد الهادي الحسني شغفُه الوافر بالكتاب قراءة واطلاعا واقتناء وملاحقة، ولعل القاريء الكريم يستذكر في كتاباته ، في جريدة الشروق وفي محاضراته المتنوعة تلك الدقة الشديدة في الإحالة إلى مصادر ومراجع ، منها المعروف ومنها ما هو غير المعروف ، والسرّ في ذلك هو هذا الشغَف بالكتاب وملاحقته وطلبه (الذي هو جزء أصيل من “طلب العلم “).. وقراءته والاستفادة منه في أوانه. وثمرة ذلك هو المكتبة العامرة ، التي حرص الأستاذ الحسني على بنائها وإنشائها وتكوينها منذ سنوات وسنوات ، بجهود وبذل واجتهاد، وإني لأقترح على الإخوة ؛ خاصة من أصحاب المكتبات ودور النشر تخصيص إهداءات خاصة له بالكتب الصادرة عنهم أو المتوفّرة لديهم ؛لأنهم بذلك يُسهمون في شيء من الرقيّ الثقافي والفكري الذي نبتغيه جميعا؛ حيث يهدون الكتب لصانع محترف ، وكاتب، وشغوف، وقاريء من القرّاء النادرين الذين يستفيدون من الكتب والمطبوعات كأحسن ما تكون الاستفادة . ومكتبة الأستاذ الحسني التي رأيناها تحتاج إلى عمل وجهد لتستوي وتكون في خدمة صاحبها ، توضيبا وترتيبا وتصنيفا وآمل أن يجد من أهل المعرفة والخبرة والاختصاص يد العون لتستوي (المكتبة) على سوقها وتستقيم للبذل العلمي والمعرفي ، نسأل الله تعالى أن يوفّقه ويهيء له الفضل والخير.
ب ـ على اعتلال في الصحة وتعب يلاحقه منذ مدة وإجهاد فإن الأستاذ الحسني يعمل ويصرف أوقاته في العمل النافع وقد عرفنا أن الأستاذ يعكف على إعداد عدد من المطبوعات المفيدة ومنها :
- كتاب مهم عن ابن باديس ، ضمن سلسلة مميزة، يقوم بتصحيح أخيرله، وهذا الكتاب ثمرة عمل كبير يجعل منه مرجعا ذهبيا في حياة ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مزدانا بالوثائق والصور النادرة والمعروفة . والحق أنه عمل جليل ، قادنا الحديث مع الأستاذ الحسني في هذه النقطة إلى الاتفاق على أهمية إصدار مطبوعات مميزة عن الجمعية في شكل “ألبومات تعريفية “(كتب نموذجية بالصور والمعلومات الأساسية بطباعة ممتازة تكون وسيطا تعريفيا غير عادي للجمعية أو أي مؤسسة علمية أو معرفية تريد التعريف بنفسها للجمهور الواسع )
2- كتاب نوعيّ مميزأيضا، يضم أهم أقوال وكلمات ومأثورات الشيخ الإبراهيمي ، يصدر _ إن شاء الله قريبا_ عن دار الإمام مالك بالبليدة.والعبرة في ذلك أن الناس يحتاجون إلى الاختصار في القراءة والمطالعة لضيق الأوقات ، ولعل كتبا من هذا النوع تتيح لهم معرفة ما تجب معرفته ،دون عناء قراءة المجلدات الكاملة .وفي كل خير. - العمل الآخر الذي يشتغل عليه الأستاذ نظريا وعمليا،وقد سبق أن أعلن عنه في أكثر من مناسبة في ملتقيات الجمعية هو “معلمة جمعية العلماء “، وهو عمل كبير يحتاج إلى جهد ووقت وتعاون ودعم، وقد سبق أن رجوتُ من الباحثين والباحثات مدّ يد العون للأستاذ الحسَني في هذا الأمر لأهميته، ولأنه يحتاج إلى “فريق بحث “كامل ، والعمل بمثابة موسوعة خاصة بجمعية العلماء فيها كل ما يحتاج القاريء لمعرفته عنها، في مرجع واحد جامع نافع.
- نذكّر بالمناسبة أن هناك عملا جيدا تم ّ إنجازه وهو كتاب عن الأستاذ محمد الهادي الحسني بمناسبة بلوغه السبعين ، وهو كتاب مشترك سطرته أقلام محبّيه وأصدقائه وأحبابه، سيكون حاضرا ـ بحول الله تعالى ـ في مناسبة التكريم التي يُهيء ُ لها في الأسابيع القادمة في أحد مساجد البليدة. وهذا تقليد نافع بأن يُكتب عن علم من الأعلام عارفو فضله ومكانته، من طلبته، وأقرانه، ومتابعيه ومحبيه .
5- مع كل هذا هناك اهتمام من الأستاذ بعدد من الموضوعات، سواء للكتابة أوالمحاضرات ،ومنها – على الأخص – ما يتعلق بإعادة بعث وإنشاء جمعية العلماء في الزمن الحديث أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وأيضا رفع اللبس عن فكر ومرجعية جمعية العلماء، وزعامتها العلمية في المغرب العربي، وحدود تأثرها وتأثيرها في الحركات الإصلاحية والدعوية ، مشرقا ومغربا.
وحيث إن الحاجة ماسة إلى بيان كل ما يجب عن جمعية العلماء ومنهجها في الإصلاح والدعوة وتفاصيل عملها وجهادها العلمي والثقافي والتربوي، مما لا يعرفه الكثيرون اليوم، خاصة من الٱجيال الشابة الجديدة، بمن فيهم أعضاء الجمعية والمنتسبين إليها، والمتعاطفين معها ،فإن رأيَ الأستاذ الحسني أن يتم الاهتمام بهذا الأمر بشكل عملي : كتابة ومحاضرة ، من قبل أساتذة الجمعية ودعاتها وعلمائها، تعزيزا لدورها وبيانا لسلامة وصواب منهجها الشامل والمستوعب لكل الاجتهادات. مع تأكيد الأستاذ محمد الهادي على أن الجمعية التي استطاعت تحقيق ما حققت زمن الاستدمار والظلم والقهر، فهي أقدر على تحقيق أهدافها والاستجابة لاحتياجات المجتمع الجزائري اليوم، مع توفر الفرص وكثرة العلماء والدعاة وانفساح ساحات العمل الفكري والثقافي، وإنما يحتاج الأمر إلى:
ـ وضوح رؤية
ـ واستقامة فهم
ـ واستصحاب المنهج الإصلاحي الباديسي
ـ وتغليب الرسالية
ـ ووضع أولويات ،
ـ وتسطير برامج ،
ـ وإشراك أهل الهمة والمسؤولية
ـ والبعد عن الإقصاء والحزبية الضيقة.
وخلاصة القول: إن الشيخ الحسني ممن لاينتهي ولا ينضب الحديث معهم في الثقافة والفكر والعلم والمعرفة والدين .ذ
نسأل الله أن يعينه على إنجاز أعماله، وببارك له في جهده ووقته. ونأمل أن يقيد المعلومات ذات الصلة بموضوع الجمعية وطبيعة عملها ومنهجها وعلاقاتها بغيرها وأن يخرجه لقرائه ومحبيه في كتيب أو رسالة تكشف التفاصيل وتجلو الغوامض وتجلي الحقائق.