أكثروا من الصدقات في شهر رمضـــان/د.وسف جمعة سلامة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا*يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا*وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}(1).
إن شهر رمضان المبارك هو شهر الإحسان إلى الفقراء، كما جاء في الحديث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا)(2).
ومن المعلوم أن أعمال البر والصدقات في هذا الشهر المبارك تطبيق عملي لشريعة التكافل الاجتماعي في الإسلام، وتقوية لروابط الأخوة بين المسلمين غنيهم وفقيرهم على السواء، كما جاء في الحديث أن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَـأ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ )(3).
الصدقة برهان
إن إخراج الزكاة والصدقات دليل على صدق الإيمان وحسن الإسلام كما جاء في الحديث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (…الصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ )(4)، فتسود عندئذ الألفة بين الناس جميعاً وتنتشر المحبة بين الأغنياء والفقراء فيصبح المجتمع كأسرة واحدة كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى كما قال – صلى الله عليه وسلم- في وصف المسلم مع أخيه المسلم، ومن الجدير بالذكر أن العناية بأمر الفقراء والمساكين والمحتاجين قد واكب الدعوة الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام، ففي سورة المدثر وهي من أوائل ما نزل من القرآن فقد صّوَّر القرآن الكريم مشهداً من مشاهد الآخرة، مشهد أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين من الكفرة والمكذبين وقد أُطبقت عليهم النار{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ*وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}(5)، فجعل من لوازم الإيمان إطعام المسكين ومثل إطعامه كسوته وإبراؤه ورعاية ضرورياته وحاجاته.
رمـضان..شهر الصدقات والزكوات
إن الصدقة عمل جميل، حيث يتقرّب المؤمن إلى الله عزَّ وجلَّ، كما في قوله سبحانه وتعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}(6)، كما أنها فريضة فرضها الله على القادرين، حيث قال- صلى الله عليه وسلم- لمعاذ – رضي الله عنه- حين أرسله إلى اليمن: (أَعْلِمْهُم أَنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤْخَذُ من أغنيائهم وَتُرَدُّ على فقرائهم)(7)، كما وورد أن الرّسول – صلّى الله عليه وسلم – قال: (حَصِّنُوا أموالَكم بالزّكاةِ، وَدَاووا مرضاكم بالصّدَقَةِ)(8)، وشهر رمضان الذي نعيش في ظلال أيامه المباركة هو شهر الصدقات والزكوات، ومن المعلوم أن الحسنة تُضاعف فيه كما جاء في الحديث الشريف: (..مَنْ تَقَرَّبَ فِيْهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيْضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيْضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِيْنَ فَرِيْضَةً فِيمَا سِوَاهُ..)(9).
لذلك فإن كثيراً من المسلمين يغتنمون حلول هذا الشهر المبارك لإخراج زكاة أموالهم فيه، رغبة في تحصيل الأجر العظيم والثواب الكبير، لذلك فإننا نناشد الموسرين والمُزكِّين والمُتَصدِّقين أن يُخَصّصوا شيئاً من أموالهم للفقراء ولرعاية أسر الأيتام، وذلك بتقديم مساعدات شهرية للمساكين والمعوزين، ولطلاب المدارس والمعاهد والجامعات بدفع الأقساط المدرسية عنهم، وللمرضى بدفع التأمين الصحي، ودفع ثمن الكهرباء والماء عَمَّن لا عائل لهم، ودعم ومساعدة المؤسسات الخيرية التي تُقدّم يدَ العون والمساعدة للأيتام والفقراء والعائلات المستورة.
ما نَقَصَ مالٌ مَنْ صَدَقة
من الجدير بالذكر أنَّ الصدقات ليست – كما يظن البعض- سبباً في قلة المال، ولا تُنْقِصه، كما جاء في الحديث (ما نَقَصَ مالٌ مَنْ صَدَقة)(10)، إنّما هي سَبَبٌ في وجود خَلَفٍ لها بعد خروجها، كما جاء في الحديث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)(11).
ومن أشكال الصدقات والبرِّ خصوصاً في مثل هذه الأيام المباركة مساعدة الأسر المحتاجة بتوفير الطعام والغذاء لهم من خلال السلّة الغذائية، وبشراء الملابس لهم من خلال مشروع كسوة العيد، ومساعدة الضعفاء والفقراء واليتامى والثكالى والأرامل برسم البسمة على شفاههم، وإدخال السرور على القلوب البائسة بما أفاء الله عليك من النعم، فإنَّ منع الزّكاة سبب مباشر لغضب الله، فقد جاء في الحديث: (وَلَمْ يَمْنَعُوا زكاةَ أموالهِمِ إلا مُنِعُوا القطرَ من السماءِ، ولولا البهائِمُ لَمْ يُمْطَروا)(12).
رمضان..وأبواب الخيـر
المجتمع الإسلامي مجتمع قوي بتماسك أفراده وتعاونهم على البرّ والتقوى، فالغنيّ يعطف على الفقير والقويّ يساعد الضعيف فهم كالجسد الواحد، وما دمنا نعيش في ظلال شهر الخير والبركة فإننا نُذَكِّر أحباءنا بأنَّ أبواب الخير كثيرة والحمد لله منها: تبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، واسقاؤك الماء على الماء صدقة، وإصلاحك بين المتخاصمين صدقة، ورسم البسمة على الشفاه المحرومة صدقة، ومن أفعال الخير مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف، فقد ورد أن رجلاً جاء إلى الحسن بن سهل كي يساعده ويشفع له في حاجة، فَيَسَّر الله الأمر للحسن فقضاها والحمد لله، فجاءه الرجل يقدم له الشكر على صنيعه، فقال له الحسن: علام تشكرنا؟ نحن نرى أن للجاهِ زكاة كما أن للمال زكاة، ثم أنشد قائلاً :
فُرضت عليّ زكاة ما ملكتْ يديَّ
وزكاةُ جاهي أن أُعينَ وأشفعا
فإذا ملكتَ فَجُدْ فإنْ لم تستطع
فاجـهْد بوِسْعِكَ كلِّه أن ينفعا
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
إن الواجب علينا أيها القارئ الكريم أن نحرص على أبواب الخير، فَلْتَجُد نفوسنا، ولنبذل بسخاء المؤمنين وكرم المتقين كما جاء في قوله سبحانه وتعالى :{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(13)، فقد جاء في الحديث عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: (كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ: وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبهِ وَبَنِي عَمِّهِ”) (14).
مما سبق نعلم أهمية صلة الرحم كما جاء في الحديث: ( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ، صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ)(15)، فصلة الرحم تكون بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة .
فلنسارع إلى فعل الخيرات والصدقات، فقد منحنا الله المال وتفضل علينا بالثواب، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}(16).
اللهم تقبّل منّا الطاعات وفعل الخيرات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الهوامش:
1- سورة الإنسان الآية (5-9).
2- أخرجه الترمذي.
3- أخرجه الترمذي.
4- أخرجه مسلم.
5- سورة المدثر الآية (42-46).
6- سورة التوبة الآية (103).
7- أخرجه مسلم.
8- أخرجه السيوطي في الجامع الصغير.
9- أخرجه ابن خزيمة.
10- أخرجه أحمد.
11- أخرجه البخاري.
12- أخرجه ابن ماجه.
13- سورة آل عمران(92).
14- أخرجه مسلم.
15- أخرجه الترمذي.
16- سورة الحديد الآية (18).