رمضان دورة صيانة إيمانية/ بقلم أمال السائحي

رحم الله أديب العربية والإسلام مصطفى صادق الرافعي الذي قال: لو أنصفك الناس يا رمضان لسمَّوك «مدرسة الثلاثين يومًا»! لكن المميز فيها أنها مدرسة شاملة متكاملة، تلتقي فيها صحة الإيمان مع صحة الأبدان، لتحقق متطلبات الروح والجسد، وتستوفي حاجات المؤمن المزدوجة، لأنه خُلق ليعيش في عالمين: عالم المادة، وعالم الروح، وله تعامل مع الأرض وتواصل مع السماء.
إن ما نلمسه في واقعنا، أننا نتحدث عن أخلاقيات جمّة ونضع قيما من الناحية اللفظية والفعلية، لكن قليل هم أولئك من يستطيعون تطبيق ما يقولون من هذه الأقوال والأفعال، ويحولونها إلى سلوك عملي في علاقاتهم مع خالقهم أولا ومع الآخرين…
هذه هي الحقيقة التي أصبح عليها مسلم اليوم، فهل أصبحت العقيدة والإيمان في نقص، أم أنها الحياة بكل ما تحمله من مشاغل، جعلت النفوس لا تلتفت إلى هذه الصفة العظيمة…يقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2/3].
لا يختلف اثنان عن أن الواقع الحالي، أصبح واقعا تغلب عليه الشكليات والماديات، بشكل كبير ومرعب، مما يتوجب معه كثيرا قول الإنسان ما لا يؤمن به، وما لا يعتقده، فيضطر في بعض الأحيان لإخفاء بعض الحقائق، أو ادعاء أخرى، ويفعل في أحيان أخرى أشياء مخالفة لما يقوله، بل ولما ينصح به الناس، ويمدح أحيانا من لا يستحق، لقاء مصلحة عاجلة أو آجلة، ويدعي المعرفة في أحيان أخرى لقاء منصب أو جاه، وعموما فإنه أصبح من الملاحظ كثيرا أن يعد الإنسان فيخلف أو يتأخر، وهو يعلم أن الوعد مسؤول، ويقول فيكذب، أو يبالغ، أو يماري، أو يرائي، وهو يعلم أن كل هذا منهي عنه شرعا وعقلا وأخلاقا، أصبحت الظاهرة عامة عند الكبير والصغير الذي تربى على هذا المنوال.
والملاحظ أن مجتمعاتنا استشرت فيها الأمية، ليست الأمية اللغوية، ولكن أمية الجهل بالدين بشكل مهول وفظيع، على كثرة ما فيه من أدوات الوعظ والإرشاد، وذلك بسبب ما انعدم فيه من مساءلة المجتمع ورقابته، ولذلك صار مجتمعا تتوفر فيه كل الشروط الضرورية، لإنتاج أناس منافقين، كذابين، ومحتالين، وأصبح الشخص السوي القويم هو الاستثناء، ويكون فيه غالبا كالغريب بين ذويه وأهله.
إن المسلم لابد أن يبدأ بنفسه، فيحترم ما يقول وما يقوم به، ويؤمن إيمانا جازما بأن الله مطلع عليه، كما جاء في الحديث القدسي:” اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك“، ولنمتثل لأمر الله سبحانه وتعالى جاء في الآية الكريمة من سورة الرعد:{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ونسارع إلى تغيير حالنا من أسوء حال إلى أحسن حال.
ونختم بقول الإمام الغزالي رحمه الله:” الصيام زكاة النفس ورياضة للجسم، فهو للإنسان وقاية وللجماعة صيانة. في جوع الجسم صفاء القلب وإنقاذ البصيرة، لأن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر الشجار فيتبلّد الذهن. أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع، وطهروها بالجوع تصفو وترق”.