وراء الأحداث

العنصرية الإسرائيلية تتحدى الشرعية الدولية/ عبد الحميد عبدوس

لم يمنع السخط والغضب الفلسطيني، والتنديد العربي والإسلامي، والقلق الدولي، الكنيست الإسرائيلي من إقرار يوم الخميس الماضي (19جويليه 2018) قانون يهودية دولة إسرائيل الذي يمنح اليهود فقط ممارسة حق تقرير المصير في البلاد. وصوت الكنيست بغالبية اثنين وستين صوتا لصالح القانون مقابل 55 صوتا ضده، وذلك بعد نقاشات محتدمة استمرت منذ ظهر الأربعاء، وقد طُرد النواب العرب من جلسة الكنيست بعد أن مزقوا مشروع القانون الذي وصفوه بأنه قانون فصل عنصري.

بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي للقانون، أدانت الرئاسة الفلسطينية، في بيان صادر عنها إقرار الكنيست الإسرائيلي لما يسمى بقانون “الدولة القومية اليهودية”، واعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، واعتبر البيان أنه يكشف الوجه العنصري للاحتلال الإسرائيلي ومخالفته لكل قرارات الشرعية الدولية. وأكد الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة “فتح”: أن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية، ولن يكون هناك سلام ولا أمن ولا استقرار لأحد بدونها.

أما حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقد اعتبرت “قانون القومية” شرعنة رسمية للعنصرية الإسرائيلية، واستهدافا خطيرا للوجود الفلسطيني.

وكان إسماعيل هنية رئيس حركة “حماس” قد أكد في كلمة له خلال مؤتمر القدس بغزة في نهاية العام الماضي بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، حصوله على “معلومات من بعض المطلعين أن الإدارة الأمريكية قد تقدم على قرارات جديدة في القدس منها أنها يمكن أن تعترف بيهودية الدولة، وشطب حق العودة”.

وأكد الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية بفلسطين 1948 من جهته أن القانون “خطير جدا وستكون له تداعيات على المواطنين العرب”، مبرزا أن القانون جاء ليؤكد على طبيعة الصراع باعتباره صراعا عقائديا ودينيا، فالسياسات الإسرائيلية كانت تعتمد دائما أن الدولة يهودية وتتعامل على هذا الأساس.

ويتكون هذا القانون من 15 بندًا. ومن أخطر بنوده البند الأول الذي  ينص  في الفقرة “أ” على أن:”دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي، وفيها حقق تطلعه لتقرير المصير، استنادًا إلى تراثه الثقافي والتاريخي”. ويحمل هذا البند المغالطات الصهيونية الأيديولوجية المعروفة، وأهمها: أولًا، التعامل مع أتباع الديانة اليهودية في إسرائيل والعالم كشعب واحد عابر للحدود والقارات واللغات والقوميات. ثانيًا، يحاول أن يؤسس حق تقرير المصير “استنادًا إلى تراثه الثقافي والتاريخي”، وأن يربطه بفلسطين، علمًا أنّ الوجود اليهودي الاستيطاني طرأ حديثًا، وجاء في سياق حركة كولونيالية عنصرية متحالفة مع الاستعمار، بغرض إقامة دولة يهودية، وأنّ جميع أعضاء الهيئة التي أعلنت “استقلال إسرائيل”، والبالغ عدد أعضائها 37 عضوًا، لم يكن أيٌّ منهم، ولا أحدٌ من أجدادهم أو أجداد أجدادهم مولودًا في فلسطين، باستثناء عضوٍ واحد منهم، كان قد هاجر والده من المغرب إلى فلسطين. ثالثًا، يتجاهل هذا البند ليس فقط أنه ما كان لإسرائيل أن تقوم، لولا تشريد صاحب الأرض الشرعي، الشعب الفلسطيني، بالقوة ومصادرة أرض وطنه، وإنما يتجاهل أيضًا وجود العرب الفلسطينيين الذين وقعوا تحت الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1948، وفرضت عليهم إسرائيل المواطنة الإسرائيلية، والذين يشكلون خمس مجموع المواطنين في إسرائيل. ”

ويحصر البند الأول “ب” “حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل” باليهود فقط، ويستثني العرب الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل من حقوقهم القومية، ومن حقهم في تقرير المصير. أما البند الأول “ج” فيؤكد أنه ينبغي تفسير كل ما ورد في هذا القانون، وما ورد ويرد في أي تشريع آخر، وفق ما جاء في البندين “أ” و”ب” المذكورين أعلاه؛ أي أن هذا البند يضع قانون القومية فوق أي قانون آخر، ويخضع جميع القوانين الأخرى له.

أما البند الرابع فينص على”أن القدس هي عاصمة الدولة”. ويؤكد البند الرابع “أ” أن العبرية هي لغة الدولة. ويلغي البند الرابع “ب” الاعتراف القائم باللغة العربية لغة رسمية في الدولة، ويمنحها “مكانة خاصة” فقط توفر لمتحدثيها الحق في تلقي الخدمات العامة بلغتهم. ويهدف إلغاء اعتراف الدولة باللغة العربية لغة رسمية، ليس فقط إلى تبرير سياسة الدولة المتبعة فعليًا، والهادفة إلى تهميش اللغة العربية في المجال العام والجهاز التعليمي ومؤسسات الدولة المختلفة، وإنما أيضًا إلى إرغام المحكمة العليا الإسرائيلية على عدم بحث سياسة الدولة وممارساتها في تهميش اللغة العربية، ومنعها من اتخاذ القرارات التي ترغم الدولة على احترام اللغة العربية لغة رسمية ثانية.

ويؤكد البند السادس على “حق كل يهودي في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على المواطنة فيها”، وبالطبع يحرم اللاجئين الفلسطينيين أصحاب البلاد الشرعيين من حق العودة إلى ديارهم. أما البندان السابع والثامن، فيُلزمان الدولة بـ “العمل على جمع الشتات” اليهودي في العالم، وتعزيز العلاقة بين إسرائيل واليهود في العالم، ويلزمانها أيضًا بالحفاظ على التراث الثقافي اليهودي والتاريخي “للشعب اليهودي في العالم”.

من الواضح في البنود الثلاثة الأخيرة أن القانون يتعامل مع إسرائيل كدولة يهود العالم، وليست فقط دولة اليهود في إسرائيل، وتعطي هذه البنود أفضلية لليهود في العالم على مواطنيها العرب؛ فالقانون يرغم الدولة على استعمال الخير العام الذي يشارك في إنتاجه المواطنون العرب، لتحقيق أهدافٍ تخصّ اليهود في العالم، مثل تشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل، والحفاظ على التراث اليهودي الثقافي والتاريخي لليهود في العالم، وتقديم العون لهم.

وفي مقابل ذلك، لا يطلب القانون من الدولة الحفاظ على ثقافة العرب المواطنين فيها وتراثهم، وإنما يترك هذه المهمة للمواطنين أنفسهم؛ إذ يؤكد البند التاسع “أ” أنّ من حق كل مواطن العمل على الحفاظ على ثقافته وتراثه ولغته.

ويعطي البند الثالث عشر “القضاء العبري”، أي الشريعة اليهودية الدينية، أفضلية، ويجعل منها مرجعيةً قانونيةً ملزمة في القضايا التي لا يتوفر بشأنها نص قانوني واضح؛ إذ ينص هذا البند على أنه إذا عالجت محكمةٌ قضيةً ما، ولم تجد نصًا قانونيًا تستند إليه، أو نصًا واضحًا من الشريعة اليهودية لتحكم وفقه، فيتعين عليها اتخاذ القرار وفق “تراث إسرائيل” الذي يشمل أساسًا التلمود. ولا تخلو نصوص التلمود، كما هو معروف، من الأحكام العنصرية المعادية للقيم الإنسانية. أما البند الرابع عشر فيعالج الأماكن المقدّسة، ويستهدف هذا البند المسجد الأقصى. وكان الكنيست قد سنّ قانون الأماكن المقدسة قبل عقود. وتستند الجماعات والجمعيات والأحزاب الدينية اليهودية اليمينية المتطرّفة إلى هذا القانون، لتسهيل اختراقها الدائم حرمة المسجد الأقصى الذي يطلقون عليه “جبل الهيكل”. وتكمن خطورة هذا البند في القانون، عند إقراره قانوناً أساساً، أنه سوف يتمتع بمنزلة أعلى من القوانين الأخرى. ويهدف اليمين الحاكم بذلك إلى إيجاد مناخٍ رسميٍّ يسهل على الجماعات اليهودية مخططاتها المعروفة، مثل الوجود في الحرم القدسي الشريف على مدار الساعة والصلاة فيه، وإقامة كنيس “صغير” فيه، خطوة أولى لتقاسم الأقصى مكانيًا وزمانيًا في الطريق إلى بناء الهيكل مكان مسجد قبة الصخرة..

أما البند الخامس عشر فيحصّن هذا القانون، ويصعّب من إمكانية إجراء تغييرٍ فيه أو إلغائه، بخلاف قانونٍ أساس “حرية الإنسان وكرامته” غير المحصّن، إذ يمنح قانون القومية لنفسه مكانةً أعلى منه، كما جاء في البند الأول “ج”. وينص هذا القانون على أنه لا يمكن تغييره إلا بواسطة سنّ قانون أساس، يحظى بأكثر من نصف أعضاء الكنيست”.

ويمكن القول أن هذا القانون جاء نتيجة التقاء الهوس العنصري الإسرائيلي بشأن يهودية الدولة الذي قاده نتنياهو ومعسكره اليميني، واليميني المتطرف، مع الانحياز الأمريكي الكامل لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكرهه للإسلام واحتقاره للعرب، مع انقسام الصف الفلسطيني والتردي الفاجع للوضع العربي مما شجع الكنيست الإسرائيلي على تجسيد الحلم اليهودي وتحقيق مشروع هرتزل وبن غوريون، وشرعنة الممارسة العنصرية الإسرائيلية وتحدي القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية لفتح الطريق لممارسة مزيد من التمييز ضد المواطنين العرب الفلسطينيين، وتصنيفهم رسميًا مواطنين من الدرجة الثانية، ورفض حقوقهم الجماعية القومية.

وهكذا اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التصويت على القانون لحظة فارقة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل، زاعما أنه “بعد 122 عاما من نشر هرتزل (مؤسس الدولة الصهيونية) رؤياه، حددنا بالقانون مبدأ الأساس لوجودنا، وهو أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي”.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com