إسرائيل تطالب بالإبقاء على داعش / الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال
لمن لا يعلم، وسائل الإعلام الإسرائيلية المكتوبة أفشت بعض ما جرى من أحاديث طويلة وودية بين رئيس وزرائها ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية (ترامب)، ويتعلق الأمر بإلحاح في التوسل من قبل “نتانياهو” لضيفه “ترامب” للإبقاء على تنظيم “داعش”، للإبقاء على الأوضاع في المنطقة على ما هي عليه، لأن ذلك يخدم مصلحة وأمن إسرائيل، كما أن نظام “داعش” و”البغدادي” أكثر لها بكثير من نظام “بشار الأسد” والنظام العراقي.
لمن لا يعلم أيضا، أو أولئك الذين نسوا أو تناسوا بداية الأحداث منذ الحرب العراقية الإيرانية وأسبابها والممولين لها، ثم قيام النظام العراقي بالهجوم على دولة الكويت الشقيقة، باعتبارها جزء لا يتجزأ من الأراضي العراقية التاريخية قبل الانتداب البريطاني، ثم ما تلا ذلك من أحداث مأساوية بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة تحالف غربي عربي بتدمير العراق أرضا وشعبا ودولة وجيشا لتحيلها قاعًا صفصفًا عينت على رأسها “بريمر” ليجهز على أموالها ومتاحفها سلبًا ونهبًا وقتلاً وتنكيلاً إلى حدّ تحويلها إلى ما هي عليه الآن من أوضاع الفوضى الخلاقة كلها تخدم التقسيم المنشود الذي أصبح يطالب به حتى العراقيون أنفسهم، والذي لم يكن في أي يوم من أيام تاريخ العراق الحديث حتى في عز الحكم الاستبدادي لحزب البعث والرئيس “صدام حسين”.
الغريب أن ما يمكن تسميتها بالنخب العربية السياسية والمثقفة – مع التحفظ – انساقت في تحاليلها وكتاباتها وانغمست في المنطق الذي حددته سلفا الدول التي سعت لهذا الخراب. وأصبح بعضها يساعد حتى على تسويق فكرة التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، بل ربما منهم من يقوم بزيارتها سرًّا على أمل كسب رضاها والتفاوض معها على تقديم خدمات لها في عملية التسويق للفكرة داخل مجتمعاتها. وكأنها تعلم أن ذلك، أي هذا التطبيع، سيكون من تحصيل الحاصل وخاصة بعد المؤتمر العربي الإسلامي الأمريكي الذي أشرف عليه الرئيس “ترامب” في الرياض والذي انتهى إلى نتائج مرضية جدًّا لدولة الكيان الصهيوني ولرئيس وزرائها “نتانياهو” وللإدارة الأمريكية الجديدة ورئيسها الجديد “ترامب”، وخاصة وأنه قد عاد من المملكة العربية السعودية باتفاقيات مالية واستثمارية وتجارية من شأنها مساعدته على الوفاء بوعوده في الحملة الانتخابية، بأن يعمل على الاهتمام أكثر بالاقتصاد الأمريكي واستعادة الصناعات الميكانيكية والأهم من كل ذلك ضخ الأموال اللازمة للصناعات الحربية بعد أن افتك من السعودية ودول الخليج صفقات بأكثر من ستة ملايير دولار، هذا عدا ما فرضه على هذه الدول من الناحية السياسية من حيث إلزامها بدفع مقابل الحماية ضد جيرانها وأعدائها في المنطقة، دون أن ينسى إلزامها في إطار محاربة الإرهاب بالاعتماد على نفسها في ذلك مقابل الاستمرار في عملية التضليل والإخفاء للحقائق عن أسباب وعوامل نشوء الظاهرة في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يخدم مصالح بلاده ومصالح إسرائيل.
الرئيس “ترامب” لا شك أنه لم يكن كما كان يتصوره البعض، فقط رجل أعمال لا علاقة له بالسياسة، فلقد أثبت في خرجته الأولى منذ توليه الرئاسة أنه يحمل منهجية مدروسة وفق قناعاته كوطني أمريكي لا يفكر في غير مصالح بلاده، وأنه بالاعتماد على القوة العسكرية الأولى في العالم يمكن أن يفرض على كل الدول الصديقة والحليفة التي تستقوى بهذه القوة دفع المقابل، ولقد ذهب بعيدًا في هذا التصور حين فاجأ العالم عامة وأوروبا خاصة بقرار انسحابه من اتفاقية باريس حول البيئة، لأنه يرى أن المؤسسات الصناعية الأمريكية والمؤسسات المنتجة للطاقة بكل أشكالها وأنواعها هي الكفيلة بإعادة الروح للاقتصاد الأمريكي بعد الانكماش الذي عرفه خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن أرباب هذه المؤسسات سيكونون من العناصر التي ستعمل على بناء قوة سياسية وقاعدة شعبية له باعتبارها ستساعد على خلق مناصب عمل جديدة لكثير من العمال في أمريكا، ولأن هذه القوة بتركيبتها الاجتماعية والبشرية الصهيونية ستكون له الجدار الواقي ضد التحركات اليسارية والملونة في بلاده ضده هذه الأيام.
قد تكون هذه المنهجية صحيحة إلى حد ما على المدى القريب، لكن على المدى المتوسط والبعيد فقد يكون قراره بالانسحاب من اتفاقية باريس ستكون بداية النهاية لهيمنة بلاده على العالم، لأن هذا القرار عند كثير من المتتبعين والمحللين سيكون بمثابة الخطوة التي تعزل بلاده عن العالم في المستقبل القريب، لأن أوروبا التي تفطنت لسياسته وتصوره في محاربة الإرهاب بشروطه الابتزازية المالية وخاصة (فرنسا وألمانيا) قد تأففتا من قراره هذا وبدأت في إعداد العدة لبداية الاعتماد على النفس ماليا واقتصاديا وعسكريا تقلل تدريجيا من ذلك التنسيق الأمني والعسكري والاستخباراتي وقد يمتد ذلك التأثير إلى منظمة حلف الشمال الأطلسي (ناتو).
الأكيد أن الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه السيد “ترامب” قد اشتركت في دفعه إليه قوى اللوبي الصهيوني وحكومة إسرائيل، والأيام القادمة كفيلة بكشف الملابسات والعوامل التي دفعت بالرجل إلى الإقدام على خطوة كهذه، لأن عزلة أمريكا القادمة ستكون أهم العوامل المساعدة على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية.