بين أردوغان وسفر الحوالي مشاعر مواطن عربي يحلم بالنهضة/ عبد القادر قلاتي
لا علاقة تجمع بين الرجلين، لكن أوضاع العالم الإسلامي تجعلك تعيش حالة من اليأس، وتبحث بين ثنايا الأحداث التي نعيشها عن حالة من الفرح والاستبشار بمستقبل هذه الأمة، وهذا ما عشته -وربما عاشه الكثيرون – خلال الأسابيع الـماضية عندما تمكن الزعيم التركي الاستثنائي رجب طيب أردوغان من الفوز الـمستحق لرئاسة تركيا لولاية جديدة بعد تغيير الدستور، وتحويل نظام الحكم من النِّظام البرلماني إلى النّظام الرئاسي، وفرحنا وفرح الكثير من أبناء الأمة بفوز أردوغان له ما يبرره في سياق الحلم بالنهضة والتقدم، الذي يشغل بال كلّ مخلص لأمته، فالرجل –كما يشهد الكثيرون- نقل تركيا من وضع سياسي واقتصادي بائس، إلى حالة من الازدهار والتقدم في جميع الـميادين شهد له بذلك الأعداء قبل الأصدقاء، فتركيا قبل وصول حزب العدالة والتنمية، كانت دولة فاشلة في الكثير من الجوانب، اقتصادياً حيث كانت تركيا من أكثر الدول في العالم ديوناً، واجتماعياً، وكان الفقر والتخلف الذي يطبع الحياة اليومية للمواطن التركي، ثمّ سياسياً حيث كانت الـمسألة الكردية تشغل حيزاً كبيراً في الجدل السياسي التركي اليومي، فالصراع بين الحكومة الـمركزية والـمعارضة الكردية وصل إلى وضعٍ خطيرٍ في الداخل التركي، وإقليمياً عندما اضطرت الحكومة التركية إلى مطاردة الـمسلحين الأكراد في دول الجوار، ومن ثمّ فتح صراع مع هذه الدول كما حدث مع النّظام السوري، ولم تتمكن جميع الحكومات التي مرت على تركيا من ضبط الوضع الاقتصادي، والوصول إلى حلٍّ ناجع مع الـمعارضة الكردية الشرسة، لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية تغيرت الـمعادلة تماماً، فقد شهدت تركيا في ظرف قياسي تطوراً اقتصادياً هائلاً، وحدث التَّحول الذي كان الـمواطن التركي ينشده في جميع الأصعدة، وقفز الاقتصاد التركي قفزة مشهودة في سلم الترتيب الدولي لاقتصادات الدول، وأصبحت تركيا رقماً كبيراً في تقييم الدول الصاعدة، فتغير مع هذا الوضع نَظرُ العالم لهذه الدولة بنظامها الجديد، وأصبح يحسب لها ألف حساب، وبالرغم من الأوضاع الإقليمية الخطيرة وخصوصاً في سوريا، استطاعت تركيا بقيادة أردوغان، أن تتعامل مع الكثير من الأحداث التي كانت تشكل بالنسبة لها مزالق خطيرة، كان يمكن أن تنهي هذا النّظام الصاعد، وتقضي على حلم الكثيرين، تركاً وعرباً، ولسائل أن يسأل لماذا يحب أغلب العرب تركيا ونظامها الجديد؟ والجواب لا يحتاج إلى كثير من الذكاء والعبقرية، فتركيا ببساطة جزء مهم من كيان هذه الأمة والعرب الأصلاء يقدمون الانتماء للإسلام على الانتماء للقومية، ونجاح الأتراك مدخل مهم للنّظر في وضعنا السياسي الذي طال فيه ليل الاستبداد والظلم.
إن وضعنا السياسي البائس في العالم العربي، يجعلنا نتطلع إلى نموذج في الحكم يشبه النّظام التركي، ولا بأس أن يختلف معه في بعض الجوانب، لتباين الخصوصيات بين الشعوب والجغرافيا، فمن الظلم أن يبقى العرب يعيشون تحت أنظمة استبدادية وتابعة لـمشاريع استعمارية غربية، أنظمة تخشى من التغيير وتحارب كل من يطالب به، أيعقل أن يسجن رجل مريض ومقعد مثل الشيخ سفر الحوالي، الذي نقلت لنا وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي، أنه أصدر كتابا أسماه:”المسلمون والحضارة الغربية” قدم فيه نصائح للعائلة الحاكمة في السعودية، ونقد بعض الممارسات السياسية، فصدر قرار بسجنه رغم وضعه الصحي، فإذا كانت هذه الأنظمة لا تملك الصبر على تحمل سماع النصيحة من عالم، فكيف تصبر إعطاء الحقوق لأهلها، لقد فقدت هذه الأنظمة أبسط القيم الأخلاقية ولم تعد تنظر للإنسان العربي إلاّ بمنظار واحد يقوم على منطق العلاقة بين السيد والعبد.
أعود لأقول أن بين حالة الفرح بفوز أردوغان وحالة الحزن لوضعنا السياسي في العالم العربي، مسافة من الأمل والتفاؤل بغد أجمل واسعد لهذه الشعوب، فليس لنا إلا الأمل في رحمة الله تعالى، فاللهم قيض لهذه الشعوب من يرفع عنها الضيم ويزيل عنها الظلم والجور…آمين