بالمختصر المفيد

الجهاد الأكبر..!/ كمال أبوسنة

إن أشد استعمار في العصر الحديث هو الاستعمار الفرنسي البغيض الذي صنعته فرنسا العجوز بقتل الملايين من الجزائريين الأبرياء، ونهب ثروات الجزائر طيلة قرن وثلاثين سنة، والأخطر من هذا وذاك أنها سعت لفصل الجزائر عن هويتها العربية الإسلامية بكل الوسائل الشيطانية، فلوثت اللسان والعقل…ثم خرجت من أرض الجزائر الطاهرة مرغمة بعد محاولات يائسة للبقاء بسبب ضربات المجاهدين المؤمنين الموجعة، إلا أنها كعادة الأبالسة الـماكرين لم تخرج حتى تركت من خلفِها جزائريين يتكلمون بلسانها، ويفكرون بعقلها، ويحبونها كحب الله أو أشد، عملوا على إتمام مسيرة فرنسا ورسالتها بإخلاص وإتقان، فحققوا لها في الاستقلال ما عجزت هي عن تحقيقه أيام الاستدمار، فأي الفريقين أكثر إجراما في حق الجزائر وشعبها؟!

يقول مالك بن نبي –رحمه الله- في كتابه (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي):” لقد أحدث الاستعمار العديد من الظواهر، ومن بينها ظاهرة خاصة نتيجة للظواهر السابقة وهي ظاهرة الازدواج اللغوي التي ترك أثرها ومفعولها الـمباشر على الظواهر الثقافية في البلاد، ونذكر نموذجين للازدواج اللغوي تركه الاستعمار وما يزال قويا إلى الآن (1970) وأول هذه البلدان مصر: حيث اللغة الإنجليزية تؤثر وتستحوذ على ميدان حي من العمل الفكري في المجال الجامعي حيث التدريس من الـمواد العلمية بها.

غير أن هذه الازدواجية لا نجد لها أثرا إلا في المجال الفكري العالي والثقافة الراقية لطبقة عليا في المجتمع…والبلد الثاني الذي يعيش الآن ازدواجية لا مثيل لها في العالم هو الجزائر، حيث إنها لم تتوقف عند حد المجال الفكري الجامعي، وإنما امتدت إلى كل المجالات الحيوية الأخرى والحياة اليومية للمجتمع، والازدواج هنا أخطر بكثير لأنه ازدواج شعبي على مستوى القاعدة العريضة للمجتمع!).

إنها إستراتيجية الجنرال دوغول التي وضعها قبل الانحناء للثورة الـمؤمنة، ليستمر وجود فرنسا بعد الاستقلال من خلال أجساد جزائرية تحمل روحَ فرنسا، أو مسكونة بعفريت من الشياطين يُسمى فرنسا، فقال كما جاء في مذكراته:(الأمل):

“…هل يعني هذا أننا إذا تركناهم يحكمون أنفسهم يتحتم علينا التخلي عنهم بعيدين عن أعيننا وقلوبنا!؟ قطعا لا! فالواجب يقتضي منا مساعدتهم لأنهم يتكلمون لغتنا، ويتقاسمون معنا ثقافتنا“…

ثم يقول في مكان آخر من مذكراته:” ستبقى الجزائر فرنسية من عدة أوجه، وستحافظ على الطابع الذي اكتسبته مثلما احتفظت فرنسا بالطابع الروماني…تلك هي إستراتيجيتي التي انتهجتُها في سياستي“.

وهذا ما تفطن له بعض كبار قادة الثورة أيام الجهاد الـمبارك، فحاولوا ما استطاعوا أن يعدُّوا للجزائر رجالا يخوضون بعد الاستقلال معركة التصدي للغزو الثقافي والخيانة الفكرية التي تولى كبرها رجال فرنسا في الجزائر الـمستقلة…

يروي شيخنا محمد الصالح الصديق-أطال الله عمره- في كتابه عن المجاهد البطل الشهيد العقيد عميروش أنه قال له مرة وهو يودعه الوداع الأخير:(” إن الجزائر ستستقل بحول الله، واستقلالها هو هدف الجميع الذي يجب أن نبذل من أجله كل ما نملك من غال ونفيس، ولا يجوز أن يشغلنا عنه أي شاغل سواء أكان داخل الجزائر أم خارجها”.

ثم أخرج ساعة من جيبه فضبطها على ساعته فأهداها إليَّ قائلا:” خذها لتعدّ بها أيام الاستعمار الباقية في الجزائر وهي قليلة، وبعد الاستقلال سنخوض معركة أخرى من أجل قيمنا وإسلامنا ولغتنا العربية، فذلك هو الجهاد الأكبر”).رحم الله الشهداء…

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com