مشاريع الضرار من حركة الاستشرق الى تيار العلمنة العربية- 02/عبد القادر قلاتي
لقد تعرّض المصدر الثاني للتشريع (السنة النبوية) إلى حملة من التشويه والتخريب لا تقلّ عن تلك التي تعرض لها المصدر الأول (القرآن الكريم) وقد كانت -هذه الحملة- أكثر شراسة وجرأة في النقد، بل وحتى الرفض والقبول، والدعوى إلى إبعاد السنة النبوية تماماً عن دائرة الفكر الإسلامي وطرحت مجموعة من الشبهات حول السنة النبوية، تبناها بعض المستشرقين، وتلقفها الفكر المحلي العربي (المتعلمن)، بكثير من الحفاوة والقبول المنقطع النّظير، وتصدرت هذه الشبهات الكثير من الكتابات التنظيرية حول قضايا دينية، تشكل أغلبها وضعاً مركزياً بالنسبة لعلاقة المؤمن بدينه والتزامه التعبدي، ودخلت هذه الشبهات الكثير من الجامعات العربية، وتبناها بعض الباحثين الشباب، وصيغت في إطار بحوث أكاديمية كما ظهرت مشاريع فكرية واضحة المعالم لكبار المثقفين العرب، تبنت هذه الشبهات، والفضل كل الفضل لحركة الاستشراق، وليس لهؤلاء -تيار العلمنة العربية- سوى التبني والنشر في أوساط المتعلمين والمثقفين.
ومن أكثر الشبهات التي سوَّق لها الفكر العلماني المحلي، وأثارها المستشرقون في الكثير من كتاباتهم هي: “أنّ الحديث بقي مائتي سنة غير مكتوب، ثمّ بعد هذه المدة الطويلة قرر المحدثون جمع الحديث وقد ردد عدد من المستشرقين هذه الشبهة منهم جولد زيهر وشبرنجر، ودوزي، فقد عقد “جولد زيهر” فصلاً خاصاً حول تدوين الحديث في كتابه: “دراسات إسلامية” وشكك في صحة وجود صحف كثيرة في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم-، ورأى “شبرنجر” في كتابه: “الحديث عند العرب” أن الشروع في التدوين وقع في القرن الهجري الثاني، وأن السنة انتقلت بطريق المشافهة فقط، أما “دوزي” فهو ينكر نسبة هذه “التركة المجهولة” – بزعمه – من الأحاديث إلى الرسول -صلى الله عليه و سلم- .وقد أراد المستشرقون من وراء هذه المزاعم إضعاف الثقة باستظهار السنة وحفظها في الصدور، والتشكيك في صحة الحديث واتهامه بالاختلاق والوضع على ألسنة المدونين، وأنهم لم يجمعوا من الأحاديث إلاّ ما يوافق أهواءهم، وصاروا يأخذون عمن سمعوا الأحاديث، فصار هؤلاء يقول الواحد منهم: سمعت فلاناً يقول سمعت فلاناً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبما أنّ الفتنة أدت إلى ظهور الانقسامات والفرق السياسية، فقد قامت بعض الفرق بوضع أحاديث مزورة حتى تثبت أنها على الحق، وقد قام علماء السنة بدراسة أقسام الحديث ونوعوه إلى أقسام كثيرة جداً، وعلى هذا يصعب الحكم بأن هذا الحديث صحيح، أو هذا الحديث موضوع…” (أحمد محمد بوقرين –دفع شبهات المستشرقين حول السنة).
وهذه الشبهة تعتبر مرتكز جملة الشبهات الأخرى التي أثارتها حركة الاستشراق، وتخطفها الفكر المحلي في إطار مشاريعه الضرار، ولم يكلف نفسه –أي الفكر المحلي العربي والإسلامي – ولو مجرَّد المحاولة في قراءة التراث الإسلامي والإصغاء لرأي الفكر الإسلامي الأصيل الذي تناول هذه الاشكالات منذ زمن قديم، عندما كان يجادل –بالحق والمنطق والعدل- تلك الفرق الضالة التي نشأت على هامش الثقافة الإسلامية الأصيلة، والتي كانت –هذه الفرق الضالة- المفتاح الذي ولج به تيار الاستشراق التراث الإسلامي وبنى الكثير من مقولاته على أفكارها ولو اجتهد أصحاب المشاريع الفكرية (مشاريع الضرار)، ووقفوا عند تلك الكتابات العميقة، لما كانت نظرتهم إلى ما سطره تيار الاستشراق، نظرة اكبار وإجلال، لأراء مبثوثة في ثقافتنا الدينية، ومردود عليه بالحجة والبرهان، لكنه الولع الزائد بكل ما ينتجه الغرب، أعمى بصر وبصيرة هؤلاء، وصدَّهم عن الحق.والله المستعان