عندما يكثر المال … يكثر الفساد..!/ جمال نصر الله
أول سؤال يمكن أن نطرحه في هذا السياق: هل الجزائر دولة غنية بجميع المواصفات؟
أكيد أن الإجابة ستكون بنعم، وبلا، في نفس الوقت..!
غنية بثرواتها وكوادرها لكنها فقيرة من ناحية تراكيبها البشرية والإطارات. واليوم يوضع الكثيرون في مواضع لا تليق بمقاماتهم وميولاتهم، مستعملين أبشع الطرق والأساليب في تنظيم علاقاتهم (وما هو بتنظيم) لكنه يُدرج ضمن ثقافة السيطرة والاستحواذ على كافة الأصعدة، وإحاطة شبه مملكاتهم هذه وممتلكاتهم بأنجع أنواع الصيانة والصلابة..والمعلوم أن الموارد البشرية هاته منذ البدء وُضعت في أماكن خطأ وأزمنة خطأ كذلك، ومن جهة أخرى هناك النقص الفادح لدى العديد من مؤسساتها لأجل أن تلعب دورها الهام والذي وُجدت من أجله، أي القحط الواضح للعيان من أجل تثبيت الرجل المناسب في المكان المناسب بكل جدارة واستحقاق، ما يحدث في يومياتنا كجزائريين يشبه ما يحدث في أية عائلة أو قبيلة كبرى، كل شيء يبدو موضوعا بطريقة لم ترض جميع الأطراف، بل أغلبهم يتحيّن الفرصة ليحل مكان الآخر، وذلك لوجود عصب واحد يتحكم ويُعلى من شأن هذه الزمرة أو تلك وهو المال، لذلك صار الثراء الخارج عن حدود المعقول مصدرا للشهوات والفخر ومُلهم الجميع، يتقاتلون من أجله وتُقام الحروب في سبيله.
والناس في كثير من المحطات يفهمون الدين الذي هو المرجع بطرق ملتوية وعرجاء، حين يعتقدون بأن الحياة الدنيا كلها مادة أي جعل الغنى والثراء أهدافا وغايات دون سواها، والله سبحانه وتعالى يقول:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}[الكهف: 46]، أي أن المال هو مصدر للجمال، والبنون مصدر للقوة والحمية والدفع، ضف أن مصطلح زينة يعني ديكورا فقط وليس اللب والجوهر أو الأساس، وهذا يعني أن هناك جواهر وأشياء أخرى أسبق وأولى من المال على الإنسان أن يحرص عليها.. ويُفني العمر في خدمتها.
لذلك بتنا نسمع من حين لآخر بظهور ديناصورات كانت متخفية بشكل أو بآخر لم ولن يكن همها أو مبتغاها سوى الاستغناء دون وضع حدود لذلك أو سقف معين (وهذا عكس القناعات)، فالأهم عندها هو أن تسير مخططاتها التي تتعدى الحدود دون خلافات أو إحراج، لكن المسح الزمني كفيل بأن يُعري ويفضح هذه الرؤوس ومعها مجموعة الأذرع، وقد رأينا ذلك مع عدد من النماذج التي تابعنا أطوار محاكماتها عبر الصحف، ليعجز طبعا كل هذا المال المُخزن أو المحجوز في الدفاع عن شرفهم ولو ليوم واحد خاصة إذا جاءت عوامل التعرية مثل بركان زاحف، وسمع كل قريب وبعيد بهبوطها الشاقولي.
إن الجزائر الحبيبة فعلا غنية..غنية ببواطنها..لكن شكلها الظاهري مُهجن ويعيش اضطرابات تشبه تناطح الخيوط الكهربائية..والمؤثرون في حركيتها هم أشباح لا ترى لهم أثرا على الواقع إلا من خلال أسماء شركاتهم الكبرى وعلاقاتهم مع الكبار، يوم تكتشف بأنهم فوق القانون المُثبت في النصوص والبنود والمراسيم، فلا مهرب لك، وفي أي لحظة من اللحظات إلا أن تطرح سؤالا بريئا (من أين لهم بهذا؟ وكيف استطاعوا في هذا الظرف الوجيز أن يحوزوا على هذه الأرقام الخيالية من الملايير؟) لذلك هذا النوع من المظاهر لا تجده في دول سائرة في طريق النمو فعلا أو تُنعت بمحوريّ الفقر والتنمية المستدامة (لأن هؤلاء يعطلون التنمية ويقفون حجر عثرة في تقدم الطاقات الخلاقة )..الجزائر غنية..لكنها فقيرة جدا يوم تغيب عنها كل مناهج وأساليب العدالة الاجتماعية..لهذا ستظل هذه القطيعة تزداد (أي بين ثراء فاحش وفقر مدقع) ما لم يُعَد النظر في كثير من القطاعات..هكذا إذا تبدأ الدورة الحضارية المشوّهة والمنكوسة (فهم يحوزون على مناصب عن طريق العلاقات العائلية..ثم بمناصبهم يحوزون على العلاقات ومن العلاقات يحوزون على المال الذي يسميه علماء الدين المال اللقيط أي غير الشرعي من حيث أن كل الديانات السماوية تمقته وتحاربه ومن النواحي العلمية كذلك هو مرفوض لأنه ضد المنطق والعدالة البشرية الإنسانية..الجزائر خزانة كبرى من الثروات..لكن للأسف..تتبدل المفاتيح.بعد كل خلل في الحساب العام.. وكأنه كُتب على جبينها..أن يتكرر هذا النسق.
شاعر وصحفي جزائري
djamilnacer@gmail.com