في رحاب الشريعة

فن إدارة الوقت في استثمار أيام العطلة الصيفية/ محمد مكركب

الإنسان يحيا عمرا واحدا في دنياه، لايقبل التجريب ولا المخاطرة أو المغامرة، فإن ضاعت دقيقة من العمر لاتعود، ومن ثم فالحذر كل الحذر من السهو واللهو واللغو أو اللعب بشريط العمر، واعلموا أن عدم العمل في ساعة يعني ضياعها والضياع خسران، والتوقف عن الزيادة ميل نحو النقصان، والعطلة الصيفية لاينبغي أن تتحول إلى عطالة وتعَطُّل وركود، أو عجز وكسل وجمود. وفي الحديث:[ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ] وفن إدارة الوقت في استثمار العطلة الصيفية يبدأ من فهم مقاصد هذا الحديث الشريف  في استثمار الصحة والفراغ.

أولا: ما هي العطلة؟ قالوا عن العطلة أنها: التوقف عن العمل لمدة استجلابا للراحة. أو دوام مدة زمانية بغير القيام بواجب. وفي اللسان:{ عُطِّلوا أَي أُهْمِلوا. وإِبلٌ مُعَطَّلة: لَا رَاعِيَ لَهَا. والمُعَطَّل: المَواتُ مِنَ الأَرض،  والتَّعطيل: التَّفْرِيغُ. وعَطَّلَ الدارَ: أَخلاها. وكلُّ مَا تُرِك ضَيَاعاً مُعَطَّلٌ ومُعْطَل.  وبئرٌ مُعَطَّلةٌ؛ لَا يُسْتَقى مِنْهَا وَلَا يُنْتَفَع بِمَائِهَا. وعُطلتِ الغلاتُ والمزارعُ إذا لم تُعمرْ ولم تُحْرث. وفلان ذو عُطْلَةٍ إذا لم تكن له ضيعةٌ يمارسها. قال: وتعَطَّل الرجلُ إِذا بَقيَ لَا عَمَل لَهُ، وَالِاسْمُ العُطْلة}

وإذن فالغاية الظاهرة من العطلة هي الراحة والترويح والارتياح، ومعلوم لدى العاقلين أن راحة العقل والنفس والوجدان أي:{الضمير} هي أهم بكثير من راحة الجسم، فإذا كان الضمير مرتاحا، فقد تحققت الغاية من معنى الراحة، ولو كان الجسد في تعب وشقاء. وهذا هو المقصود من اغتنام زمن العطلة وملئها بالتحضير والإعداد للدخول الاجتماعي، واستغلالها أي: العطلة، في تحقيق مكاسب جديدة، كحفظ القرآن، ومطالعة الكتب، وإجراء البحوث، وتحضيرات مختلفة، كل حسب مهامه ومراميه.

عن عبد الله بن محمد ابن الحنفية، قال: انطلقت أنا وأبي، إلى صهر لنا من الأنصار نعوده فحضرت الصلاة فقال لبعض أهله: ائتوني بِوَضُوء لعلي أصلي فأستريح، قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: [قم يا بلال فأرحنا بالصلاة] (أبوداود.كتاب الأدب.4986) عندما نقوم بعمل خالص لله تعالى نشعر بالراحة على أننا قمنا بجميل. أَمَا نَعْلم أن من يخدم الناس ويراهم قد انتفعوا بخدمته يفرح  ويرتاح؟ ولو كان هو يعمل وهم في راحة عن العمل الحسي.

كلنا ذلك الإنسان القائل بلسان الحال: حقنا في العطلة الصيفية أن نتخلص من مسئولية العمل الرسمي الرتابي، وأن نستريح كليا، فلماذا يقال لنا: اغتنام العطلة في حفظ القرآن، والمراجعة، وبالنسبة للموظفين والعمال ورجال الأعمال، يقال لهم: اغتنموا العطلة للتحضير والإعداد، بل والاستمرار في متابعة العمل الرسمي، ولو من بعيد، إلخ.. والجواب لأنفسنا ولكل أحبابنا. أننا موجودون في الدنيا، في دار العمل، في دار الاختبار، في الزمن الذي نحاسب عنه على كل ثانية من أعمارنا. فكان لا بد من التفكير في المصير، التفكير في يوم الحساب. يوم السؤال عن الشباب، والمال، والعلم، والأمانة، والإمارة، ﴿ قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ.  قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ. قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.﴾ (المؤمنون:112 ـ 114)

وفي الحديث. عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه.] ( الترمذي. كتاب صفة القيامة.2417) فيكفينا معشر الأحباب أننا نعد السؤال ليوم القيامة بصراحة ووضوح وأن لانغش أنفسنا بدسها في غفلة العطب، بين اللهو واللعب.

يتمنى العبد يوم القيامة أن يجد كتابه مُلِئ بالحسنات، فكيف إذا وجد فيه بعض السيئات؟  يتمنى أن لو سجل في كل ثانية عملا عظيما ينفعه، فكيف لو يجد أنه أضاع واجبات بحجة العطلة؟ قال الله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً . اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً.﴾ (الإسراء:13،14) وللاستعداد للفوز يوم القيامة نحتاج إلى شيء من فن إدارة الوقت.

إن أول ما ينبغي الإعداد له البرمجة، حيث إن علم استثمار الزمن في منهجية إدارة الوقت قوامه{التخطيط} بكل يقتضيه مفهوم التخطيط، فيما يتعلق بالزمان، والمكان، والعدد، والمقدار. وذلك في العطلة وفي غير العطلة حيث يظل توقيت العمل (كل عمل) مبدأ أساسا، لا يجوز مخالفته.

والواجب الأول الصلاة: فأهم ما نحافظ عليه الصلاة في وقتها. ﴿حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ﴾ (البقرة:238) أينما كنا في البيت، في المسجد، في المصنع،في الإدارة، في الطائرة، في المصيف، في المخيم، في أي مكان يكون الواجب علينا أنه إذا حان وقت الصلاة، وجب القيام بها قبل خروج وقتها. ففي الحديث:[وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ.] (البخاري.335) عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: [الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ] (مسلم.626) قال ( محمد فؤاد عبد الباقي) في شرح  (وتر أهله وماله): روى بنصب اللامين ورفعهما والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله، ومعناه انتزع منه أهله وماله، وهذا تفسير مالك بن أنس، وأما على رواية النصب فقال الخطابي وغيره معناه نقص هو أهله وماله وسلبه فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كما يحذر من ذهاب أهله وماله وقال أبو عمر بن عبد البر معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر]تسطير جدول شهري مسبق، طول عمرنا. ومنه جدل أعمال العطلة.

والواجب الثاني تدبر القرآن: هل قراءة القرآن واجبة؟  والجواب :نعم. إن قراءة القرآن واجبة على كل مسلم. قال الله تعالى: ﴿كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.﴾ (ص:29) وكم هم بعض المسئولين مقصرين في تدبر القرآن الكريم، وكأن الأمر لايعنيهم. قال الله تعالى: ﴿قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ (الأنعام:104)

والواجب الثالث المطالعة: ومطالعة الكتب من ضمن واجب طلب العلم. وفي صحيح البخاري: {مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ.وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ] وَإِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ} .

والواجب الرابع استقامة السلوك: ونؤكد عن هذا الأمر وهو استقامة السلوك في العطلة خاصة وفي كل سفر. على أن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أقدس الواجبات، ونقول لإخواننا وأخواتنا: إن الدعوة بالأخلاق خير من النقد والأمر والنهي. فعلى المسلم التاجر، والمعلم، والطالب، والطبيب، وغيرهم أن نكون قدوة في: المحافظة على الصلاة، في الحوار بأحسن وأطيب الكلمات، في النظافة وما أدراكم ما المحافظة على النظافة. في بلد ما، في زمن ما، مرت حافلة سياحية تحمل على متنها عشرين طالبا معهم أستاذهم، مروا على قرية فلاحظوا على أرصفة الشوارع فضلات، وعلبا مرمية، وقشور فواكه تشوه منظر الطريق، فاشتروا أكياسا بلاستيكية وانطلقوا في نظام هادئ يجمعون ما تناثر من القمامة، وما مرت ساعة حتى تركوا الطريق جميلا نظيفا، وحملوا أكياس القمامة في الصندوق السفلي للحافلة، وساروا في سبيلهم، وما مضىت ثلاثة أيام حتى كانت القرية أجمل نظافة وترتيبا وبهاء، إنها القدوة الحسنة. عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر] قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: [إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس] (مسلم.كتاب الإيمان.91)

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com