نقطة نظام/ كمال أبوسنة
إن المحاباة على حساب الحقيقة أهلكت الحرث والنسل وخوَّلت بعض من ضيعوا الأمانة أن يكونوا أصاحب الحل والعقد، ومتحكمين في رقاب الناس غير مهتمين بمآسيهم المختلفة وتظلماتهم المتكررة، إذ يعيشون لشهواتهم واتباع أهوائهم وتحقيق لذاتهم ورغبات دائرتهم المغلقة…
فلا تتحرك من هذا المسؤول أو ذاك شعرة ما دام شبعان وإن جاع الناس، و”شاربا” وإن عطش الناس، ومكسوًّا وإن تعرى الناس، ودافئا وإن برد الناس، ومالكا للدور والقصور، وإن سكن الناس الجحور والقبور، وراكبا السيارة الفارهة من آخر طراز وإن تعذب الناس في أماكن النقل غير المهيأة ووسائل النقل التي أكل عليها الدهر وشرب المزدحمة بالركاب فوق ما تطيق وفوق ما يطيقون..و..و..!
مشكلتنا في الغالب هي أن القرارات التي تتخذ والقوانين التي تُشرَّع لا تتجسد في الواقع فتبقى حبرا على ورق، والغريب أن كثيرا من المسؤولين في مواقع عدة الذين يعيشون بعقلية “دولة في دولة” هم أول الكافرين بالقوانين، وأسبق الناس إلى مخالفة القرارات، خاصة التي تصطدم مع أهوائهم وطموحاتهم ومصالحهم، ولعل أوضح مثال سابق على ما نقول قانون تعميم اللغة العربية، لغة القرآن، التي تعتبر اللغة الرسمية للدولة الجزائرية كما نص على ذلك الدستور الذي انتهكه المسؤولون على كل المستويات وأولهم أغلب الوزراء الذين لا يتورعون عن “عفس” هذا القانون المغبون في الداخل والخارج، وقديما قالوا:”الناس على دين ملوكهم”..!
وهناك عادة “الأنانية وعدم المبالاة” التي اعتنقها بعض الجزائريين حتى أصبحت عادة يروها كياسة وفطنة، ومن شذ وصفوه بأنه أحمق و”جايح” لا يعرف أين تكمن مصلحته…ولن يهتم هؤلاء أو يغتموا ما دامت “الأجرة” في آخر الشهر تصل كاملة غير منقوصة إلى حسابهم الجاري، والمضحك أن الذين لا يعملون وغير المتفانين في أداء واجبهم في الغالب هم الذين تجدهم أحرص الناس على المطالبة بالزيادات ورفع قيمة العلاوات، وكم في الجزائر من مضحكات ولكن ضحك كالبكاء..!
لقد ضاعت آلاف المليارات بالتبذير وسوء التسيير، أو نُهبت في مشاريع وهمية بطلها مسؤول أكبر همه تكثير الأموال والغلال، ولو أُنفقت هذه المليارات المبذرة أو المنهوبة في حقها وقُسمت على الناس بالسوية لقضينا على كثير من المشكلات الآنية التي نعاني منها..!
ولو أن كل مواطن أدى واجبه في خدمة الوطن بضمير حي وعمل للمصلحة العامة بنفس الإخلاص الذي يعمل به لخدمة مصالحه الشخصية لقطعنا أشواطا معتبرة نحو الرقي الحضاري ونافسنا الأمم الأخرى التي اعتلت القمة منذ زمن بعيد.
والحق أن ما نعانيه من ظلم كثير من المسؤولين مرجعه في الأساس إلى ظلمنا نحن المحكومين، وقد روي أن “الحسن” سمع رجلا يدعو على “الحجاج” فقال له:( لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم، إنا نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير). وقال “كعب”:( إن لكل زمان ملكا يبعثه الله على نحو قلوب أهله، فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحا، وإذا أراد هلاكهم بعث عليهم مترفيهم)، وقيل:( ما أنكرتم من زمانكم فإنما أفسده عليكم عملكم). فالمسؤول الفاسد هو نتيجة حتمية لمجتمع ظهر فيه الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي أفراده.
إن أهواء المسؤولين والعوام على حد سواء لابد أن لا تُهادن، فالدين النصيحة، والنصيحة تكون لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، بهذا صلح حال الأولين، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.