ما قل و دل

انفصالية/ محمد الصالح الصديق

قرأت في كتاب “خواطر وسوانح في الإسلام” تأليف “الكونت هنري كاسترى الفرنسي” المطبوع سنة 1898 ص 135 ما يلي:” وعندي أن هجرة القبائل إلى الصحراء الكبرى جنوبا من الجزائر وهم باطل كالقول بإمكان مضايقتهم فينزحون عن البلاد شيئا فشيئا، أما انقراض الأهالي بالتدريج بعد دخول التمدين الأوروبي بلادهم، فنحن لا نصدقه إلا قليلا، فإن احتكاكهم بالمتمدنين ربما قلل وسائل العيش عندهم، ولكن لا يؤثر في وجودهم، بل لا يزالون يتناسلون أكثر من الأوروبيين، ونضيف إلى ذلك المسكرات التي استعملها بعض الفاتحين لا تؤثر عند أهالي الجزائر لكونهم يمقتونها مقتا شديدا”.

الذي يهمنا من هذا النص، هو ضرر الخمر الفادح، وخطرها العظيم، كما يشدنا إليه تمسك الجزائريين بدينهم، وتشبثهم بإيمانهم ومحافظتهم على أخلاقهم.

إن بعض الفاتحين استعملوا الخمر لإبادة الشعوب، وإفنائها واستئصالها، وكان ذلك من تخطيط المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا الجزائر، ولكنهم صدموا عندما وجدوا الجزائريين يمقتون الخمر، ويستقذرونها، لأن دينهم علمهم أن الخمر أم الخبائث، ومصدر الكبائر، وطريق إلى الضياع والفناء!

هكذا كان أجدادنا يمقتون الخمر ويجتنبونها، حتى كان ذلك مثار إعجاب العدو وباعثا إلى تسجيله في كتب التاريخ، أما أحفادهم اليوم إلا ذوي الهمم والأخلاق فإنهم يهيمون بالخمر، ويؤثرونها على كل شراب، وإذا كانت الخمر بالنسبة إلى أولئك الأجداد معرة فإنها بالنسبة إلى أحفادهم شرف ومصدر فخر واعتزاز، يشربونها في الولائم وعلى موائد الطعام في بيوتهم مع أزواجهم وأولادهم، ويرون ذلك تقدما وتمدنا “ابْلَعِي يَا أَرْضُ”.

يقول العلامة الإنجليزي (نبتام) في كتاب “أصول الشرائع” ترجمة المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا تحت عنوان “الجرائم الشخصية” ما نصه:” النبيذ في الأقاليم الشمالية يجعل الإنسان كالأبله، وفي الأقاليم الجنوبية يصيره كالمجنون، ففي الأول يكتفي بمعاقبة الأول على السكر كعمل وحشي، وفي الثانية يجب منع ذلك بطرق أشد لأنه شبيه “بالتشرد” وقد حرمت ديانة محمد -صلى الله عليه وسلم- جميع المشروبات المسكرة وهذه من محاسنها”.

أما هؤلاء الأحفاد الذين تنكروا لأجدادهم فقد يقولون إن تحريم الخمر من سيئات الديانة الإسلامية ومن يدري؟

أمور يضحك منها السفيه  **  ويبكي من عواقبها اللبيب

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com