في رحاب الشريعة

الثورة الجزائرية التاريخية مثال للمنهجية الجهادية الإسلامية

أ. محمد مكركب/

ثورة التحرير الجزائرية، أم الثورات الجهادية، المعروفة في التاريخ الحديث، إنها ثورة أول نوفمبر سنة أربع وخمسين وتسعمائة وألف للميلاد. سنذكر في هذا البحث: الأهداف، والمبادئ، والطريقة، والوسائل، والنتائج، باختصار وإيجاز كبطاقة فنية للتعريف بالثورة الجزائرية العظيمة. إن التأليف والكتابة في التاريخ بالنسبة لي جهاد، يحتاج إلى جهد وقوة في البحث، كما يحتاج إلى صبر وتضحيات، في مفازات المراجع، والبحث عن سند الروايات، ولابد من قدرة ذهنية عالية لاستحضار الماضي الذي كان صديقا ثم غاب. فعندما أكتب عن تاريخ الجزائر، أشعر وكأني أعيش المعارك والأحداث بمآسيها وأحزانها، بدمائها ودموعها، كأنني أسمع تكبيرات المجاهدين، كما كنت أسمعها حقيقة في الميدان معهم، ولكن من أين يأتي الصوت؟ ومن هو صاحب الصوت؟ ومن أين تنبعث الزغاريد ومن أي جهة يأتي الموت؟ أذكر أيام الثورة، وكأني أشاهد مشاركة الحرائر الجزائريات المجاهدات، وهن يطعمن ويسقين، ويداوين، ويحمين مأوى المجاهدين، والفدائيين والمسبلين. كيف أجمع المعلومات والأخبار عن زمن ماض ما عشته لما قبل الثورة، وعن زمن الثورة الذي عشته بكل مآسيه وذكرياته، عشت أياما عسكرية في قلب الحدث، مع البلاء كأنه الإعصار، وفي قلب الحدث مع المجاهدين الثوار.
الكتاب الأول: أهداف الثورة الجزائرية الإسلامية الإنسانية: معرفة الأهداف الشرعية السامية، لكل المشاريع الكبرى المصيرية في حياة الأمم، تعتبر المحور الأهم، والأصل الكبير في العمل المنتظر. فمن أهداف الثورة: الهدف الأول: التحرير التام لكل التراب الجزائري، من الطارف وتبسة إلى تندوف وبشار ومغنية، وإلى برج باجي مختار، والبحر الأبيض المتوسط. فالجزائري يحمي أرضه كما يحمي أهله وعرضه، ولا يقبل التنازل عن شبر من أرضه، لأنها أمانة العلماء، والشهداء، والمجاهدين الأوفياء. والهدف الثاني: التمكين للسيادة الجزائرية على أرض الجزائر، وكل من يعتدي على التراب الجزائري، كأنما يعتدي على السيادة الجزائرية، وكل معتد على الجزائر فهو عدوٌّ يجب دفعه، وقتاله، ورد كيده، مهما كان، وكيفما كان الأمر، وأن الثوار المجاهدين يسالمون المسالمين، ويقاتلون المعتدين. الهدف الثالث: الذي كان أيام الاحتلال هو: قتال الكافرين المعتدين، الذين احتلوا أرض الجزائر، ويطالب الثوارُ المجاهدون فرنسا ومن يساعدها ويتواطأ معها، يطالبونها بالخروج من التراب الجزائري، وأنه لاهدنة ولا صلح مع المحتل، ما دام يحتل التراب الجزائري. وقال الثوار لفرنسا: {يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. وطويناه كما يطوى الكتاب. يا فرنسا إن ذا يوم الحساب.. فاستعدي وخذي منا الجواب. إن في ثورتنا فصل الخطاب.. وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا، فاشهدوا، فاشهدو..}. والهدف الرابع: رفض كل تبعية للمستعمر الفرنسي، وغيره من الكافرين المعتدين على أراضي المسلمين: غير أن هذا الهدف تعثر ولم يتحقق بالكلية، وهو من بين أكبر أهداف المجاهدين الثوار، الذين قالوا لفرنسا: {إن في ثورتنا فصل الخطاب} فصعب على بعض من جاء بعدهم فصلُ الخطاب، وشدهم مغناطيس الهيمنة الفكرية القديمة، فالتصقوا بالخيوط الثقافية الاستعمارية، ولعل الدعوة إلى الجزائر الجديدة تحقق مقاصد هذا الهدف المنسي، أو المغلوب على أمره. والهدف الخامس: إقامة الدولة الجزائرية الديموقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية. وفي هذا المنهج تسير الجزائر التي قالت جمعية علمائها، وثورتها: {شعب الجزائر مسلم. وإلى العروبة ينتسب. من قال حاد عن أصله. أو قال مات فقد كذب. أو رام إدماجا له. رام المحال من الطلب.} وعدم التبعية تعني الاستقلال الحضاري المدني السياسي والعسكري التام، لا تبعية اقتصادية، ولا لغوية، ولا سياسية، ولا دفاعية. ونحن نتكلم عن أقدس ثورة تحريرية وتحررية في العصر الحديث. ومن معاني الثورة: أنها الغضب للحق من أجل إحقاق الحق، وهي أن يثور قوم على نظام استبدادي ظالم يحتل شعبا، ليستعبده، ويستولي على خيراته ظلما وعدوانا. فيريد الغاضبون الثوار الإطاحة بسلطة المستعمر المستبد، ورفض كل أنواع هيمنته، واستبدالها بتحرر كامل وشامل. ومن معاني الثورة: الحركة الإصلاحية المغيرة والناقلة للمجتمع من واقع فساد وتخلف إلى واقع صلاح وتقدم. الهدف السادس: وهو القضاء على جميع مخلفات المستعمر الفرنسي، وجميع مظاهر الفساد الذي زرعته الدولة الاستعمارية المحتلة. ومن الفساد الذي زرعته فرنسا المستدمرة الغاشمة: محاولة تفرقة الشعب الجزائري، وبث الفكر الجهوي الطائفي والقبلي، وهذا من بين أكبر جرائم الشيطنة الفرنسية. والدعوة إلى المحرمات بحجة التقدم كترويج صناعة وبيع الخمور، والتشجيع على العري، والفواحش، ومن الفساد الذي عملت فرنسا على نشره في المجتمع الجزائري: إبعاد دراسة القرآن كمادة رسمية في مناهج التعليم العام، في المدارس الابتدائية والمتوسطات والثانويات والجامعات، وتركت الناس يقرؤون القرآن في الكتاتيب والمساجد فقط، ولا يقرؤونه في المؤسسات التعليمية الرسمية، لكي تزهدهم فيه، ولكي تبث فكرة الفصل بين الدين والعلم، إنها الخطة الاستعمارية. والهدف السابع من أهداف الثورة الجزائرية: تنظيم وتجميع كل القدرات والطاقات الشبابية الجزائرية في الداخل والخارج، وتشجيع كل شاب قادر على العمل والمشاركة الإيجابية أن يعمل بمبدأ التكامل مع كل الشعب، وانتهجت القيادة أن المشاركة في الثورة التحريرية الشعبية، أن يكون الانتماء فرديا، وليس في شكل أحزاب، أو منظمات، أو جهات، أو عشائر، أو مشيخات، وهذا الهدف، أو قل هذه الطريقة وهذا المبدأ كما سنتكلم عنه في كتاب المبادئ إن شاء الله عز وجل. فإن طريقة الانضمام الفردي، وتوحيد القيادة تحت لواء جبهة التحرير الوطني، أعني جبهة التحرير التي قادت الثورة التحريرية. من1954م إلى الاستقلال. 1962م كان هذا الأسلوب ناجحا، وأغلق الباب بقوة على سموم النعرات الطائفية، والحساسيات الجهوية، ولتعصم الثورة من مرض الانقسامات، فسمح هذا الهدف بأن ينضم كل الشعب للثورة ، ولتكون الثورة شعبية، وليست ثورة حزب أو جهة، فمن خصوصيات الثورة: وحدة القيادة، وأن القيادة من الشعب، وأن الثورة ثورة كل الشعب، وأن الثورة جهادية. والهدف الثامن: التعاون مع كل شعوب وحكومات الشمال الإفريقي الإسلامي. فقد ورد في بيان أول نوفمبر 1954م: {من الأهداف الخارجية، تدويل القضية الجزائرية، وتحقيق وحدة شمال إفريقيا، في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي} وهذا يعود إلى بعد النظر الجهادي لدى الثوار الجزائريين، ومدى الطموح الكبير والمشروع الذي كان الثوار يأملون تحقيقه. وسيتبع المقال، بالحديث عن مبادئ الثورة التحريرية، بإيجاز، إن شاء الله تعالى.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com