شباب ميديا

شبابنا وقضاياهم/ التعليم في الجزائر.. بين مساعي الإصلاح وأيادي العرقلة

عبد الغني بلاش/

إن المتأمل في ما يجري اليوم داخل المدرسة الجزائرية يدرك أن الأمر يتجاوز مجرد مطالب طلابية أو احتجاجات ظرفية، بل هو معركة خفية بين تيارين: تيار يسعى إلى إصلاح التعليم وجعله متجذرًا في هوية الأمة، وتيار آخر متغلغل منذ عقود داخل المنظومة التربوية، يعمل على إبقائها رهينة مشاريع لا تمتّ إلى الأصالة بصلة.
وأنا أتابع هذه الأحداث، تخيلتُ لو كان الشيخ عبد الحميد بن باديس بيننا اليوم، فماذا كان سيقول؟ وأي موقف كان سيتبناه أمام هذه الاضطرابات التي تشهدها المدارس؟
لقد شهدنا في الفترة الأخيرة خطوات جدية من الوزير الجديد، الذي بدا واضحًا أنه يحمل رؤية متشبعة بالأصالة العربية والهوية الإسلامية، في محاولة لإعادة التوازن إلى المنظومة التربوية التي عانت طويلًا من التشويه والتغريب. لكن، وكما جرت العادة، كلما تحركت عجلة الإصلاح، ظهرت أيادٍ خفية تحاول عرقلتها، مستعملةً كل الوسائل الممكنة، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل التلاميذ وتعطيل مسيرتهم التعليمية.
هؤلاء الذين وقفوا ضد الإصلاح هم أنفسهم الذين عملوا لعقود على تشويه التعليم، وهم الذين يريدون اليوم أن يكون التلميذ أداة ضغط للحفاظ على مصالحهم. فهل يعقل أن تكون الاحتجاجات مجرد صرخة بريئة؟ أم أنها موجّهة بعناية لخلق أزمة تربوية تُستخدم كورقة سياسية؟
لا شك أن التلاميذ لهم مطالب مشروعة، فهم يواجهون ضغطًا دراسيًا هائلًا، ومناهج بحاجة إلى مراجعة وتطوير، لكن الخطر يكمن في أن يتحول التلميذ من صاحب حق إلى أداة في صراع لا يدرك أبعاده. وهنا أتساءل: أليس من الأجدر أن يكون الحل بالحوار، وأن تُقدَّم البدائل بدلًا من الزجّ بالمدارس في أتون الفوضى؟
لو كان ابن باديس بيننا، لقال لكم: «يا شباب الجزائر، لا تسمحوا لأحد بأن يستخدمكم في معركة ليست معركتكم، وكونوا حذرين ممن يريد إبعادكم عن مقاعد العلم والمعرفة، فأنتم مستقبل الأمة، وأنتم الأمل في بناء جزائر قوية بعلمها وأصالتها».
أما رسالتي للسيد وزير التربية الوطنية المحترم، هي أن طريق الإصلاح لن يكون سهلًا، فمنذ الاستقلال ومدرسة الجزائر تخضع لمشاريع متضاربة، ولكن اليوم هناك فرصة لتصحيح المسار. فامضِ بثبات، واجعل المدرسة حصنًا يحفظ هوية الأمة، ولا تستسلم للضغوط التي تريد أن تبقيها رهينة الفوضى.
إن مستقبل الجزائر مرتبط بجودة تعليمها، ولا يمكن أن نصلح الوطن دون إصلاح المدرسة، ولذلك، لا بد أن يكون هناك وعي بأن أي تحرك داخل المنظومة التربوية يجب أن يكون مبنيًا على أسس واضحة، لا أن يكون نتيجة توجيه خفي أو حسابات سياسية.
ولو كان ابن باديس بيننا اليوم، لقال بصوت عالٍ: «إن المدرسة هي مهد الأمة، فإن صلحت، صلح المجتمع كله، وإن فسد التعليم، فسد الوطن». فهل نعي هذا الدرس قبل فوات الأوان؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com