حوار

بعد صدور كتابها الجديد “الفطرة وعلاقتها بأصول التشريع الإسلامي” البصائر تحاور الدكتورة نجيبة عابد

أجرت الحوار : فاطمة طاهي/

في البداية دكتورة نجيبة عابد لو تقدمي لقراء جريدة البصائر نبذة مختصرة عن شخصكم الكريم؟
– بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاه والسلام على سيد المرسلين وبعد، أولا أشكركم على إتاحة هذه الفرصة الطيبة، لكم مني خالص التحية والتقدير …. نجيبة عابد أستاذة محاضرة بجامعة لونيسي علي البليدة 2، متحصلة على شهادة بكالوريا علوم دقيقة وشهادة مهندس دولة في الإعلام الآلي، وكذا شهادة الدكتوراه في العلوم الاسلامية تخصص فقه وأصوله من كلية العلوم الإسلاميه جامعة باتنة، متزوجة وأم لأربعة أطفال، ناشطة جمعوية؛ عضو المجلس الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورئيسة لجنة الاسرة والمراة والطفل في شعبة باتنة، عضو رابطة الفرضيين العرب، لدي عدد من المقالات المنشورة والمداخلات الوطنية والدولية والحمد لله.

نهنئكم دكتورة بمناسبة صدور كتابكم الجديد بعنوان: “الفطرة وعلاقتها بأصول التشريع الإسلامي”، وكسؤال أولي ما هي الأسباب التي دفعتكم للبحث في الموضوع؟
– هنأكم الله بالجنة… كتاب “الفطرة وعلاقتها بأصول التشريع الإسلامي” هو في الأصل أطروحتي للدكتوراه التي نلت بها هذه الشهادة بتقدير مشرف جدا مع تهنئة اللجنة سنة 2019 من كلية العلوم الإسلامية بجامعة باتنة، الحقيقة فكرته كانت من اقتراح المشرفة.. أمي العلمية.. البروفيسور أم نائل بركاني التي لن أنسى فضلها بعد الله علي ما حييت لما قدمته لي ليكون البحث في هذه الحلة القشيبة.. بعد نجاحي في مسابقة الدكتوراه اقترحت علي المشرفة موضوعين: الأمة والفطرة… اخترت الفطرة… في البداية كان الموضوع مبهما …كيف يمكن ربط الفطرة بأصول الفقه ومقاصد الشريعة… ولكن ببداية البحث وخاصة بعد الاطلاع على كتب العلامة الطاهر بن عاشور اتضحت الفكرة جيدا وخضت غمار الموضوع والحمد لله.

ومن أجل توضيح وتبسيط المفاهيم لقراء جريدة البصائر، ما معنى الفطرة وما المراد بها؟
– يعد البحث في موضوع الفطرة وتحليل مفهومها من معضلات الفكر الإسلامي فقد اختلف العلماء في تحديد معناها اختلافا كبيرا، فهذا المفهوم من أكثر المفاهيم غموضا ولا أدل على ذلك إلا تصريح جهابدة العلماء كامثال ابن عبد البر وابن رشد وابن القيم وغيرهم، ….في الكتاب حاولت تتبع مفهوم الفطرة في المعجم اللغوي والمفهوم الدلالي عند أهل الاصطلاح، حاولت إيجاد الرابط بين المعنيين، استعنت خاصة بمنهج الدراسة المصطلحية، بحثت في تاريخية المفهوم، وكيف انتقل من الإجماع إلى الاختلاف، ذكرت تعريفات علماء الإسلام المتقدمين، ثم العلماء المعاصرين، وكان المحور هو الإمام الطاهر بن عاشور، ووجدت تقاربا كبيرا فيما بينها، إذ تميل معظمها إلى تعريف الفطرة بكونها هيئة أو نظاما داخليا في الإنسان، يجعله قابلا لأحكام الإسلام،. استعنت بمقاربات من علوم أخرى كالفلسفة والقانون وعلم النفس، فخلصت من ذلك إلى أن أصح ما قيل فيها مجتمعة أن الفطرة عند علماء المسلمين قديما وحديثا وعند الفلاسفة وفي المعاجم والموسوعات وكتب التعريفات هي الهيئة الأولى والاستعداد والقابلية للتمييز بين الحق والباطل، وهكذا اخترت تبعا لهذا الحفريات المفاهيمية، تعريفا إجرائيا فالفطرة هي “النظام التكويني الداخلي في كل إنسان الذي يجعله قابلا للحق وما يقتضيه وقادرا على التمييز”.
والاختلاف في معنى الفطرة على حسب اعتقادي ناشئ عن أن هذا المصطلح يجمع العديد من المعاني ولكن كل نظر إلى جانب وفاته جانب آخر، فلا يمكن حصر مفهوم الفطره في معنى واحد من معانيها المذكوره فهي الخلقة الأولى التي مكنت الإنسان من اكتساب امكانية معرفة الحق من الباطل والخير من الشر هي القابليه للحق ومقتضياته من مبادئ وقيم هذا القبول الناشئ عما ركز في الفطرة من الميثاق والعهد الماخوذ من بني آدم في مرحلة الذر، فالفطرة الذاكرة الروحية للبشر وانما بعثت الرسل للتذكير بما في هذا العهد ..التذكير بالفطرة.

ما هي علاقة الفطرة بالشريعة فى التفكير الإسلامي؟
– يقول الله سبحانه وتعالى :{ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﱠ} الأعراف:54، تعد الشريعة أمر الله وخطابه التشريعي والفطرة هي خلقه وأمره التكويني، فأحكام الشريعة الإسلاميةكلها متناسبة ومتوافقة ومنسجمة مع الفطرة البشرية، والواجب ما أدى إلى حفظ الفطرة والحرام ماأدى إلى الاخلال بها والانحراف عنها، وما بينهما المندوب والمكروه، هذه المقاربه ذكرها العلامة ابن عاشور، فالفطرة مدار الأحكام الشرعية، وهو أمر مهم يجب ألّا يُغَضَّ الطرف عنه، فلا يكتفى بطلب الفعل طلباً جازماً أو غير جازم كما في الواجب والمندوب، وإنَّما يجب تأكيد النظر على هذا الفعل؛ هل يؤدي إلى حفظ الفطرة أم لا؟ والأمر نفسه ينطبق على الجهة المقابلة؛ فلا يكتفى بالنهي عن الفعل نهياً جازماً أو غير جازم كما في المُحرَّم والمكروه، وإنَّما يجب تصويب النظر إلى الفطرة؛ هل يُخالِفها، أو يُصادِمها، أو أنَّه لا يمسها؟ فالفطرة بوصلة المُجتهِد عند بذله الوسع في إدراك الحكم الشرعي، وهي ضابط أساسي، ومعلم مهم في تعرُّف الأحكام الشرعية، وتقرير أنَّ أوامر الشارع الحكيم ونواهيه مُتطابِقة تطابقاً كاملاً مع النظام التكويني في كل إنسان. وبهذا يُمكِن الارتقاء بالأحكام؛ لتحقيق المطلوب منها، وتفعيل أثرها في الواقع عند التنزيل.

كيف يمكن توظيف مفهوم الفطرة والاستناد إليه في التفكير الفقهي وفهم فلسفة الأحكام ومقاصد الشريعة؟
–  كما سبق وقلنا آنفا الفطرة هي مدار الأحكام الشرعية، وخط سيرها الأساس. ومراد الشارع حفظ الفطرة، والحذر من الانحراف عنها فهي مقصد شرعي وقد تم اثبات ذلك في الكتاب عن طريق مسالك الكشف عن المقاصد وكذا الضوابط التي تضبط المعاني المقاصدية.كما أن الفطرة طريق من طرق الكشف عن المقاصد، وتعتبر الأُسَّ المكين الذي يقوم عليه صرح المقاصد؛ فهي أصل كلي انبنت عليه جملة من المقاصد الشرعية، أهمها: السماحة واليُسر، والحرية، والعدل، والمساواة، والعموم، وكذا المقصد العام من التشريع. وعلى قدر تساوق كلٍّ منها مع الفطرة، ظهرت قيمته المقاصدية، وتجلَّت. ووبهذا يتبيَّن ما للفطرة من مكانة رائدة في منظومة التشريع ومقاصده. فالفطرة هي الأصل الجامع لكليات الشريعة ومقاصدها، وعلى أساسها ووَفقها يُمكِن الرقي بهذه المقاصد من المنظور الفردي إلى المنظور العالمي والإنساني، والإسهام في عمران العالَم وإصلاحه. واستناداً إلى هذا الأُسِّ المكين والوصف الجامع المشترك بين جميع أفراد الإنسانية، يُمكِن الاضطلاع بالمهمة الحضارية للأُمَّة، وتحقيق نفوذ الشريعة واحترامها، والقيام بالشهود الحضاري.

هل يمكن الاحتكام للفطرة في النظر المقاصدي؟ وهل للفطرة دور في التمييز والموازنة بين المصالح والمفاسد؟
– بكل تأكيد للفطرة دور محوري في معرفة المصالح والمفاسد، بل حتى أدقها وأخفاها. ويظهر إعمال الفطرة في النظر المقاصدي في الكثير من التطبيقات القديمة منها والمعاصرة، وقد أمكن جعل الفطرة طرفا في تعضيد الترجيح في بعض المستجدات والنوازل كأبحاث الجينوم البشري، عمليات التجميل الكمالية، بنوك الحليب، استئجار الأرحام، ولدي مقال علمي محكم منشور في مجلة المعيار بعنوان إعمال الفطرة في النظر المقاصدي –الموازنة بين المصالح والمفاسد انموذجا-.

وماذا عن نتائج الدراسة التي توصلتم إليها في بحثكم المعنون: “الفطرة وعلاقتها بأصول التشريع الإسلامي”؟
– من أهم نتائج الدراسة: أن علاقة الفطرة بأصول الفقه ومقاصد الشريعة تجلَّت بوضوح على المستوى التشريعي؛ فالتشريع مُنبَنٍ على الفطرة بالنظر الكلي، وكل الأحكام مُراعِية للفطرة بالنظر الجزئي. فالفطرة مقصد عام في الشريعة، ومقصد جزئي في كل حكم من أحكام الشرع.
والفطرة مدار الأحكام الشرعية، والمفهوم الأساس الذي بُنِيت عليه منظومة التشريع الإسلامي أصولاً وفروعاً، ووسائلَ ومقاصدَ؛ لذا يجب على العلماء والمُجتهِدين استصحابه في عملية الاجتهاد.
والفطرة دليل لإدراك الأحكام الشرعية، وضابط مهم من ضوابط المصلحة، وهي مقصد عام ومقصد خاص من مقاصد الشريعة، ومسلك للكشف عن مقاصد الأحكام الشرعية، ومبدأ أساسي لتحديد القيمة المقاصدية وشرعية أيِّ مقصد من المقاصد. والفطرة أيضاً وسيلة من وسائل الترجيح عند التعارض بعد استنفاد المُرجِّحات، وهي حجر الأساس في العملية الاجتهادية؛ فهماً، واستنباطاً، وتنزيلاً.

شكرا جزيلا لك سيدتي الكريمة، في الختام قولي ما شئت ولمن شئت؟
– العفو… في الختام أود أن أتقدم بجزيل الشكر لطاقم جريدة البصائر كل باسمه ووسمه، على إتاحة هذه الفرصة الطيبة من أجل تقديم ولو نبذة عن الكتاب، كما أود أن أوجه الشكر لعائلتي التي وقفت معي وللأستاذة الدكتورة أم نائل بركاني، والشكر موصول للمعهد العالمي للفكر الإسلامي لجهودهم المبذولة لطباعة ونشر الكتاب….في الأخير أسأل المولى عز وجل أن يتقبل هذا الكتاب قبولا حسنا، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وينفع به طلبة العلم، وأن يجعله ذخرا لي في الآخرة والسلام عليكم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com