ملف

الكيانُ الصهيونيُّ.. عدوُّ الحياة

د.خديجة عنيشل/

هل كانت دولةُ الاحتلالِ الصهيونيِّ في حربٍ مع الماء -الذي هو سرُّ الحياة- حتى كان أوّلَ قراراتِها بُعيدَ عمليةِ طوفانِ الأقصى مباشرةً هو قطعُ الماءِ عن غزة؟؟؛ فقد انتشرَ فيديو بعد 48 ساعة من السابعِ أكتوبر الأشمّ يظهرُ فيه جنودٌ صهاينةٌ يقطعون إمداداتِ الماء من دولةِ الكيان إلى قطاعِ غزة تطبيقاً لقرارِ وزير البنية التحتية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي أمرَ «بالقطع الفوريِّ للمياهِ والطاقةِ عن قطاعِ غزة»!! ولم يتبقَّ لأهل غزةَ من مصادرِ المياهِ سوى الآبار الجوفية ومحطات التحليةِ التي لم تسلَم هي الأخرى من القصفِ والإبادة؛ فقد تعمّد المحتلُّ قصفَ الخزاناتِ المائيةِ في قطاعِ غزة بشكلٍ مباشرٍ وحاقد؛ إذ صرّحت منظمةُ هيومن رايتس ووتش بأنَّ حربَ الإبادةِ الإسرائيليةِ دمَّرت في بدايةِ الحرب فقط ما لا يقلُّ عن 31 من أصل 54 خزاناً للمياه في القطاع!! وقصفتِ الطائراتُ الإسرائيليةُ الخزاناتِ المائيةَ فوق أسطحِ البيوت، وقصفت المركَباتِ التي كانت توزِّعُ الماءَ على السكانِ الأبرياء!!! بل استهدفت في بدايةِ العدوان ألواحَ الطاقة الشمسية في مستشفى الرنتيسي الذي كان يضمُّ أكثر من سبعةِ آلافِ مريضٍ فضلاً عن الطاقم الطبي والمِهني!!
ولم تكتفِ دولةُ الاحتلال بهذا فقط بل بلغَ بها الحقدُ على حياةِ الفلسطينيين لدرجة قصفِ مراكزِ صيانةِ مُعدّاتِ الماء؟؟!! فقد قصفت قواتُ الاحتلال المبنى الواقع في حي المواصي بضربةٍ صاروخيةٍ يوم 21جانفي اُستشهدَ على إثرها أربعةُ أشخاص وأصيب عشرونَ آخرون، حسب ما أفادَ به اتحادُ مياه بلديات الساحل. كان هذا المبنى بمثابةِ مستودعٍ لكل من مصلحةِ مياه بلديات الساحل واليونيسيف، يحتوي على أكثر من 2000 مادة تستخدم للصيانة، وكانَ يُشكِّلُ قلبَ خدماتِ المياه والصرف الصحي في غزة، وتسبَّبَ قصفُهُ المتعمَّدُ في شللِ قدرة مصلحة مياه بلديات الساحل على إصلاح وصيانة المرافق الحيوية مثل خطوط أنابيب المياه!!!
ليس هذا فقط بل تتعمّدُ دولةُ الاحتلالِ الصهيوني منعَ وصولِ الوقود حتى لا تشتغلَ منشآتُ المياه بشهادةِ منظمة اليونيسيف التي صرّحت لمحطة BBC قائلةً: إن محطةَ تحليةِ المياهِ التابعةِ لليونيسف في دير البلح – وهي واحدةٌ من ثلاثِ منشآتٍ كبيرةٍ لتحليةِ مياه البحر في غزة – لا يمكنها العملُ إلا بقدرةِ 30% بسببِ نقصِ الوقود، وإن الحربَ الهمجيةَ على قطاعِ غزةَ جعلت إصلاحَ مرافقِ المياهِ أمراً صعباً بالنسبةِ لسلطةِ المياه في غزة، لكنَّ هذا القصفَ المباشر لمستودعِ صيانةٍ رئيسيٍّ جعلَ الأمرَ أكثرَ صعوبة.
لم يحدث في التاريخِ البشريِّ مثلُ هذا الصَّلَفِ الباغي على الإنسانيةِ، والطغيانِ الحاقدِ على الحياة، وقد شهدَ العالَمُ على إجرامِ الصهاينة وصرّحوا به؛ فاللجنةُ الدوليةُ للصليبِ الأحمرِ قالت في بدايةِ العدوانِ الهمجي: «ما نراهُ في غزةَ لم نشهدهُ منذ وجودِنا الدائمِ منذ 1967، فالتدميرُ طال البنى التحتيةَ للمياه والمياه العادمة، حيث خرج معظمُها عن الخدمة، مما ينبئ بكارثة بيئية» ، وقالت سارة إليزابيث ديل، المحاميةُ الدوليةُ في مجالِ الجرائمِ الجنائيةِ وحقوقِ الإنسان تعليقاً على هذا الموضوع: «ما نشهدُهُ هو في الأساس حربُ حصارٍ ودمار كاملٍ لغزة، دون أيِّ اعتبارٍ لحياةِ الإنسانِ أو كرامته الإنسانية، أو أيِّ محاولات للامتثال مع القانون الدولي»
إن العالَمَ أجمعَ أمام سؤالٍ وجوديٍّ كبير: ما أهميةُ وجودِ الكيان الصهيوني المُفسِدِ في الأرض؟ أليس من العقل أن ينتهي هذا الوجودُ الحاقدُ لتُشفَى البشريةُ من سرطانٍ ينهشُها؟ ويتنظَّفَ الكونُ من خَمَجٍ يُفسدُ عليهِ الحياة؟؟. يجبُ أن نعترفَ أنهُ بفضلِ المقاومة الباسلة في غزة نحنُ نشهدُ بدايةَ نهايةِ دولةِ الاحتلال الصهيوني التي أرادت تعطيشَ الإنسانِ الحرِّ في غزة فسَقاهُ اللهُ عزةً، وأرادت قتلَ الحياةِ فيي غزةَ فما زادها التقتيلُ إلا امتداداً في الكبرياءِ والمجد، وأرادت إبادةَ الروحِ الطاهرةِ في جَنباتِها فما ازدادت غزّةُ إلا طُهراً وجمالاً لأنَّ اللهَ الفعَّالَ لما يُريد أراد أن تصمُدَ غزةُ .. وتنتصرَ الحياةُ في غزةَ، ويولَدَ المجدُ في غزة .. وأرادَ ربُّكَ أن تبلغَ غزَّةُ أَشُدَّها وتستخرجَ كنزَ كبريائِها ومجدِها وتمكينِها رحمةً منه .. ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com