الرئيس دونالد ترامب داعية حرب مدمر أم صانع سلام مقتدر ؟

أ. عبد الحميد عبدوس/
قبيل أيام من أداء دونالد ترامب لليمين الدستوري بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، أصدر المدعي الخاص الذي حقق مع ترامب في قضايا جنائية تقريرا جاء فيه بأن: « الأدلة المقبولة كانت كافية لحصول ترامب على إدانة في محاكمة». لكن من عجيب الأقدار أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه إدخال دونالد ترامب إلى السجن بعد إدانته بعشرات التهم الجنائية، دخل البيت الأبيض من أوسع أبوابه.وقبل ذلك كان دونالد ترامب قد نجا من محاولة فاشلة لاغتياله خلال قيامه بحملته الانتخابية.
كانت أخطر قضية حوكم فيها ترامب ،هي تهمة محاولة تقويض أسس الدولة بسبب هجوم أنصاره على مقر الكونغرس الأمريكي في 6 جانفي 2021.لكن الدولة الأمريكية انحنت أمام جبروته يوم الاثنين الماضي 20 جانفي 2025 ،حيث احتشد نجوم المال والأعمال والسياسة ورجال الدين والإعلام والفن والتكنولوجيا والرياضة، في قاعة الكونغرس للاحتفال بتنصيب ترامب على هرم السلطة التنفيذية للولايات المتحدة الأمريكية.كان حفل التنصيب مبهرا ومتقنا أشرف على تصويره وإخراجه تلفزيونيا الشاب الجزائري الإعلامي الموهوب ،محمد صلاح بن عمار، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2011. كان انتخاب دونالد ترامب في سنة 2016 لأول مرة لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية قد اعتبر مفاجأة غير متوقعة، أو مجرد حادث في التاريخ ،لكن انتخابه للمرة الثانية في نوفمبر 2024 جعل الملياردير ألون ماسك يعتبره : « مفترق طرق في طريق الحضارة الإنسانية» و»تفويضًا شعبيا واضحًا للتغيير».إذا كان أغلب الأمريكيين المسلمين قد صوتوا ضد ترامب في سنة 2016 فإن غالبيتهم قد ساهموا بطريقة ما في فوز ترامب الانتخابي في سنة 2024لأنهم صوتوا لصالحه في العهدة الثانية. المسلمون توافقوا مع البرنامج الانتخابي لدونالد ترامب في أمرين أساسيين هما تحقيق وقف إطلاق النار في غزة. والأمر الثاني هو الدفاع عن القيم الأصيلة و السليمة للأسرة البشرية وتغيير خلق الله عن طريق عمليات التحول الجنسي المتصاعدة في المجتمعات الغربية ،حتى أصبح الاتجاه المشجع لظاهرة المثلية والتحول الجنسي، معيار الرضا ومقياس التطور والدفاع عن الحرية الشخصية، والقبول بالمثلية الجنسية من بين شروط منح امتياز تنظيم تظاهرات عالمية مثل كأس العالم في الرياضات ذات الشعبية الواسعة. وفي هذا الإطار أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية، بعد تنصيب الرئيس ترامب في منصبه، قرارا يحظر رفع رايات «فخر المثليين»التي كانوا يتباهون بها في المنافسات والتظاهرات المختلفة سواء أكانت وطنية داخلية، أم خارجية دولية.
كما وفى الرئيس ترامب بوعد بتحقيق وقف إطلاق النار في غزة بعد حرب وحشية دامت 15 شهرا ،وقدم عينة مقنعة عن قدراته الشخصية والسياسية لإنجاز هذا الوعد الكبير، حيث ظل اتفاق وقف إطلاق النار معلقا لعدة شهور بين عرقلة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاتفاق وتمنعه عن الاستجابة للإرادة الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي ، وبين سقوط الوعود الكاذبة للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن الذي عجز أو تواطأ مع حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف لمواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، .لكن بعد تدخل ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انقلبت الأمور خلال وقت قصير في مسار المفاوضات .وتمكن ويتكوف من إجبار رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القبول باتفاق وقف إطلاق النار. كان من اللافت للانتباه أن دونالد ترامب شارك، قبل أسبوعين من حفل تنصيبه ، مقطعا مصورا للبروفيسور جيفري زاكس ، عن بنيامين نتنياهو قال فيه متحدثا عنه: « إنه ما يزال يحاول دفعنا إلى محاربة إيران حتى يومنا هذا»، مضيفا بعد توجيه شتيمة بذيئة إلى رئيس حكومة الاحتلال قائلا: « إنه أدخلنا في حروب لا نهاية لها»..
لقد وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حملته الانتخابية وبعد تنصيبه في رئاسة الجمهورية،بأنه سينهي جميع الحروب والنزاعات في العالم ،وأن إرثه في عهدته الثانية سيكون إرث سلام. قائلا: «سنضع حدا لكل الحروب، وقوّتنا ستجلب روحا جديدة من الوحدة إلى عالم كان غاضبا وعنيفا وغير قابل للتنبؤ بمستقبله». لكن السؤال الجدير بالطرح تجاه وعد الرئيس الأمريكي،هو: كيف سيحقق هذا الوعد الكبير والانجاز التاريخي الذي سيؤهله لحصد جائزة نوبل للسلام عن جدارة وبلا منازع، دون إيجاد حل منصف وعادل و مستدام للقضية الفلسطينية التي تعتبر أم القضايا في صراع الشرق الأوسط ،أو بالأحرى دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تضمن حقوق الفلسطينيين في الحرية والعيش الكريم وتنهي صراع القرن ؟ !
يبدو هذا الطرح السلمي للرئيس دونالد ترامب، والذي يشكل أمل الفلسطينيين والعرب والمسلمين،بل أمل جميع أحرار العالم ومحبي السلام والعدالة،صعب التحقق، بالنظر إلى عدة معطيات سياسية متعلقة بتصرفات وقرارات الرئيس دونالد ترامب في بداية عهدته الرئاسية الثانية،حيث كانت من بين أول الأوامر التنفيذية التي دشن بتوقيعها عهدته الرئاسية الثانية إلغاء العقوبات على مستوطنين إسرائيليين فرضت عليهم إدارة الرئيس السابق جو بايدن عقوبات بسبب ارتكابهم أعمالا إرهابية ضد المدنيين الفلسطينيين،وهو قرار اعتبرته الخارجية الفلسطينية: «تشجيعا لغلاة المستوطنين على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني». كما وقع الرئيس ترامب أمرا تنفيذيا تحت عنوان «حماية الولايات المتحدة من الإرهابيين الأجانب والتهديدات الأخرى للأمن الوطني»، وهو قرار أثار لدى المسلمين مخاوف من إعادة فرض قيود على دخول المسافرين من دول ذات أغلبية مسلمة أو عربية إلى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، كما حدث مع قرار حظر السفرالذي وقعه ترامب عام 2017 في عهدته الرئاسية الأولى. بعد ثلاثة أيام من اعتلاء دونالد ترامب لسدة الحكم ،أيدت السفيرة المقبلة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، مزاعم إسرائيل بشأن الحقوق التوراتية في الضفة الغربية بأكملها، وذلك خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ لتأكيد تعيينها، وفي اليوم نفسه قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إن ماركو روبيو ( وزير الخارجية الجديد) تحدث إلى نتنياهو: «للتأكيد على أن الحفاظ على دعم الولايات المتحدة الثابت لإسرائيل يشكل أولوية قصوى للرئيس ترامب».
للتذكير فقد عمد دونالد ترامب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية إلى ترشيح شخصيات معروفة بانحيازها لدولة الاحتلال الإسرائيلي وحكومتها اليمينية المتطرفة لشغل مناصب وزارية في الخارجية والدفاع والعدالة والأمن الوطني ووكالات الاستخبارات والأمم المتحدة، وغيرها من المناصب الرئيسية والحساسة في إدارته الجديدة ،هذه الحكومة الأمريكية الجديدة اعتبرها المتطرفون الصهاينة بمثابة «فريق الأحلام». فوق ذلك أصبح أخطر وأغنى رجل في العالم، إمبراطور التكنولوجية الحديثة ،الون ماسك، بمثابة الرجل الثاني في إدارة ترامب ،يعتبر الون ماسك الداعم الأمريكي الأكبر لحركات وتيارات اليمين المتطرف في العالم. للإشارة فقد أثارت التحية باليد الممدودة التي تشبه التحية النازية التي قام بها خلال حفل التنصيب جدلا واسعا على وسائط التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام العالمية،وجعلت بعض هذه الوسائل تلفت الانتباه إلى فترة طفولة ومراهقة الون ماسك الذي نشأ تحت ظل نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا لمدة 18سنة (عام 1971 إلى عام 1989)، ولم يغادرجنوب إفريقيا إلا قبل سنة واحدة من سقوط نظام الأبارتايد في سنة 1990. لكن الون ماسك اعتبر اتهامه بتأدية التحية النازية مجرد «حملة قذرة» من قبل خصومه لأن ما قام به هو «تحية من القلب» إلى مناصري الرئيس دونالد ترامب. كما دافع المجرم بنيامين نتنياهو عن مالك منصة «إكس» قائلا : «إيلون صديق عظيم لإسرائيل» واعتبر أنه : «يتعرض لتشويه زائف».
كان تكفي رؤية ذلك الحشد الكثيف من قادة الرأسمالية المتوحشة والصهيونية العالمية واليمين المتطرف ومسعري الإسلاموفوبيا الذين تزاحموا، في الصفوف الأولى، على حضور حفل تنصيب دونالد ترامب في مبنى الكونغرس للتكهن بأن وعد دونالد ترامب بتحقيق السلام العالمي سيكون صعب التحقيق،اللهم إلا إذا استطاع الرئيس دونالد ترامب في عهدته الجديدة أن يفتح الطريق لأمريكا لتكون عظيمة بقيمها وإنسانيتها، وليس بثروتها وقوتها العسكرية فقط.