منهج الدكتور زهير إحدادن في تطهير تاريخ الجزائر من الأيديولوجية الاستعمارية

أ.د. مولود عويمر/
صادف هذا الأسبوع مرور الذكرى السابعة لوفاة البحاثة الجزائري الدكتور زهير إحدادن الذي توفي في 20 يناير 2018 بعد عمر حافل بالنضال الوطني والبحث في مجال تاريخ الجزائر. واحتفاء بهذه الذكرى أعيد نشر هنا نص محاضرته التي قدمها في عام 1995 وعالج فيها مسألة التاريخ وعلاقته بالأيديولوجية، وطرح تصوّرا علميا لتطهير تاريخنا القديم والحديث من الشوائب التي زرعتها فيه المدرسة الكولونيالية الفرنسية، وتحريره من التحوير الذي الحقته به الايديولوجية القائمة المهيمنة.
ولقد اعترف الدكتور زهير إحدادن في هذا النص المغمور الذي نشره في «المجلة الجزائرية للتربية»، بأن العمل الفكري الجاد الذي بادر به من قبل أستاذه محمد الشريف الساحلي، ما زال يحتاج إلى المزيد من جهود المؤرخين الجزائريين المخلصين وأعمال الباحثين الجادين. وأملي أن يجد هذا النص الاهتمام الذي يستحقه من الدرس في الفترة الراهنة الحرجة التي تمر بها العلاقات الجزائرية الفرنسية بخاصة في شقها المتصل بالذاكرة والتاريخ.
السلطة السياسية وتوجيه كتابة التاريخ
«إن عنوان هذا العرض الوجيز يشير بالدرجة الأولى إلى العلاقة الموجودة بين كتابة التاريخ والسلطة السياسية القائمة ونوعية هذه العلاقة تبيِّن في كثير من الأحيان أن السلطة السياسية تحاول دائماً أن تبرر وجودها بتبريرات تاريخية مما يؤدي بها إلى التلاعب بالأحداث التاريخية وتحويرها أحيانا وتزويرها مرارا لجعلها تتلاءم مع مواقفها السلطوية وتشرحها وتعززها (…).
وإن الأمثلة كثيرة نكتفي بذكر ثلاثة منها معبرة عن هذا التدخل الأيديولوجي: مثل من الثورة، وآخر من الفترة الاستعمارية الفرنسية، وثالث من الفترة الاحتلالية الرومانية.
1-إن السلطة السياسية التي استقرت في الجزائر بعد الأحداث التي وقعت في صيف 1962 جعلت هذه السلطة تؤكد على أنها تستمد شرعيتها من الثورة (1962-1954) وبالتالي سمحت لنفسها بأن تعطي قراءة خاصة لبعض الأحداث التي وقعت أثناء الثورة لتبرّر بقاءها أو تعزز موقفها وعلى سبيل المثال فإنّنا وجدناها تقف موقفاً «أيديولوجيا»، بعيداً عن الحقيقة التاريخية في ثلاثة ميادين على أقل تقدير:
-أهملت مدة طويلة ذكر أسماء قادة الثورة الحقيقيين (…) ويهمش دور المنظمة الخاصة التابعة لحزب الشعب الجزائري.
-لم تشرح العلاقة الهشة التي ربطت جبهة التحرير الوطني ببعض الأنظمة العربية وبالأخص نظام عبد الناصر في مصر ونظام بورقيبة في تونس، لما وراء هذه العلاقة «ايديولوجية» لا تساعد ربّما السلطة القائمة.
-ليس هناك شرح ولا تحليل للظروف التي مات فيها بعض قادة الثورة لما في ذلك من الكشف لبعض المواقف التي لا تساعد ظرفياً السلطة السياسية القائمة.
2 -في الفترة الاستعمارية الفرنسية نادت السلطة السياسية القائمة بفرنسة الجزائر وتسارعت إلى كتابة تاريخ الجزائر وتاريخ شمال إفريقيا يساعدها على تحقيق هذا الهدف، فبالنسبة للجزائر فإنها أنكرت أصلا وجود أمة جزائريةNation algérienne ثم أعطت صورة مشوّهة لسكان شمال إفريقيا فوصفتهم بأنهم رحل ليس لهم استقرار وأنهم خليط من الأجناس الآخرين وكأنها توحي بأن هذه الأرض ليس لها سكان أصليون هم أحق بها من غيرهم لتبرّر من وراء ذلك وجودها فوق هذه الأرض واحتلالها.
ثم نجد بعد ذلك هذه السلطات الاستعمارية ومن يعمل معها تنكر وجود تاريخ قائم في حد ذاته لسكان هذه الناحية بل فهي تقول وتؤكد أن تاريخ شمال إفريقيا هو امتداد لتاريخ الأمم التي احتلته واستعمرت أرضه وبالتالي فهي تقسم تاريخ هذه الناحية حسب الفترات الاحتلالية فتقول الفترة الفينيقية ثم الفترة الرومانية ثم الوندالية والبيزنطية الخ … لتبرر بذلك وجود الفترة الفرنسية، ما دام هذا الشعب ليس له وجود قار وليس له تاريخ ويحتاج دائماً إلى الظروف التي تفرض عليه التبعية.
3 – إن المؤرخين الرومانيين يعتبرون المرجع الوحيد الذي يشير إلى فترات قصيرة من تاريخنا القديم ولكن هذه الإشارة وردت في مضمون تاريخي وايديولوجي يعطي الفضل وكل الفضل – وهذا طبيعي – لدور روما وبالتالي فهو يشوِّه تاريخ من وقف ضد روما وغيرها من الأمم. ولهذا ظهرت هذه الكتابات التاريخية تمجيدا خالصا لتاريخ روما وتقزيما صريحا لتاريخ الأمم التي احتكت بها.
فالمؤرخون الرومانيون عندما يتكلمون عن نوميديا يؤرخون لروما ولوجودها في نوميديا ولا يهمهم من نوميديا إلا ما يشرح ويعطي ضوءاً جديداً لجانب من تاريخ روما، فالمؤرخون الرومانيون مثل المؤرخين الفرنسيين يخضعون للإيديولوجية التي تمجد بلادهم على حساب غيرهم. وحينئذ يبقى من العبث أن نحصر تاريخنا القديم فيما كتبه سالوست وثيت ليف وأن نتبنى ما كتبه المؤرخون الرومانيون حول الفترة الإحتلالية الرومانية!
إن الأمثلة الثلاثة السابقة تكفي للدلالة على ما أشرت إليه من تدخل الايديولوجية في كتابة تاريخ بلادنا وفي تشويه فترات واسعة من مراحله. ونظرا لهذا التدخل فإن كثير من الجزائريين «المثقفين»، الذين تخرجوا من المدارس يعتبرون الجزائر وشمال إفريقيا كلية: «يتيمة التاريخ»، ليس لها تاريخ يذكر وما يذكر من هذا التاريخ فهو «وصمة»، يعبر باستمرار عن الاحتلال الأجنبي وعن التبعية السياسية. وبمعنى آخر عن «عدم الوجود». وانطلاقا من هذا فإن الكثير من هؤلاء «المثقفين» يقومون بحملات للبحث عن هويتهم مع اليقين عندهم أنها غير موجودة وأنهم لن يجدوها أبدا وربما القصد منهم هو نشر «التشكك» الذي يخامرهم. وهو أمر يخلق البلبلة ويجعل المشكل قائماً باستمرار.
نقد التفسير الاستعماري لتاريخنا الوطني
ولقد شعر المؤرخ شريف ساحلي بهذا الخطر فقام بحملة معاكسة ونادى بتطهير التاريخ: décoloniser l’histoire، وهذا النداء قائم ولا بد من إجابته والقيام بحرب تحريرية تعيد لتاريخنا سيادته الكاملة تملأ قلوب أبنائنا بالاعتزاز والافتخار بهذا التاريخ التليد والمجيد.
وحتى نتفادى هذا الخطر وإسهاماً في تطهير التاريخ بودّي أن أشير إلى ثلاث نقاط أراها أساسية في كتابة تاريخنا، وهي: تحديد الفترات التاريخية لاحتلال شمال إفريقيا، مفهوم «المقاومة»، في تاريخنا، وأصالة الفترة الإسلامية من تاريخنا.
وعندما أجمع هذه النقاط الثلاثة فإنه تتجلى لنا ظاهرة قوية مازلنا لا نشعر بها وهي أصالة النظام السياسي الذي نما وترعرع فوق هذه الناحية من العالم وهو ما سأحاول أن أشرحه باختصار فيما يلي:
انطلاقا من ملاحظتي السابقة حول طابع التبعية لتاريخنا -حسب الايديولوجية الاستعمارية- فإن المؤرخين يقسمون تاريخنا إلى فترات احتلالية: (الفينيقيون، الرومان، الوندال، البيزنطيون، العرب، الأتراك، الفرنسيون). والواقع أن هذا الموضوع قد طرح في كثير من المناقشات والمحاضرات ولكن هذا الطرح كان ينحصر في الغالب على قضية «التسميات»، يعني الشكليات ولا يتطرق إلى جوهر الموضوع. فالجدال يدور حول تسمية العهد التركي مثلاً أو العهد الروماني ولكن بعد ذلك، يبقى المشكل وارداً وهو وجود هذا الاحتلال. وللتغطية نتجنب كلمة الاحتلال ونستبدلها بكلمة (المقاومة) وهو ما يثبت فكرة الإحتلال من جهة ويوحى من جهة أخرى أن النظام السياسي السائد في الجزائر هو نظام المقاومة.
أفكار منهجية من أجل تطهير التاريخ
نعم! إن تاريخ الجزائر مليء بالمقاومة وهذا نفتخر به ونعتز به ولا بدّ من الالحاح عليه، ولكن نقاوم لماذا؟ ولأي شيء؟ إننا نقاوم لنحافظ على كياننا وعلى النظام الذي نعيش فيه، ولأن هذا النظام هو جزء من حياتنا ألفناه ولازمنا عبر القرون. وكيف نألفه لو لم يتميّز بالديمومة والاستقرار!
ما معنى هذا؟ فلنتأمل لحظة تاريخ الجزائر انطلاقا من عمق التاريخ! متى يبتدأ تاريخ هذه المنطقة؟
من العبث أن نرجع إلى زمان سيدنا آدم لأننا لا نعرف في أي أرض كان استقراره! ولكننا نعلم حسب البحوث التاريخية والأثرية العصرية أن منطقتنا هذه كانت محطة حضارة قديمة جدا يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، ولكن في هذه العجالة نكتفي فقط بالوقوف على التاريخ المكتوب الذي يذكره المؤرخون في كتاباتهم ويبقى المجال مفتوحا لأنّ في هذا الميدان ليست هناك دراسات شاملة ووافية والإكتشافات لم تتم بعد وليست هناك إلا فرضيات ولهذا فإننا نكتفي بما هو محقق؛ وهذا التحقيق التاريخي يكشف لنا أن منطقتنا هذه دخلت في التاريخ الحضاري مدة قرون قبل ظهور مدينة قرطاجنة يعني في أقل تقدير بين 2000 و3000 سنة قبل الميلاد يعني مع الحضارة الفرعونية، وهذا معناه أنَّه -انطلاقا من هذه السنة إلى يومنا- لم ينقطع النشاط الحضاري في منطقتنا ولكننا للأسف لا نعرفه. والعملية الحسابية تعطي لنا فترة تاريخية تشمل أكثر من 4000 سنة على أقل تقدير. يعني أن التجارب الحضارية التي عرفتها منطقتنا غنية وثرية ومتنوعة من جهة، ومتكاملة من جهة أخرى، ولا نريد أن ندخل في هذه التفاصيل.
والمهم بالنسبة لهذا العرض هو أن نتبيّن أصالة هذه الحضارة وأن نبرز دور سكان هذه المنطقة في تكوين هذه الحضارة، وهذا يطرح بلا شك مشكل التدخل الأجنبي كما أشرت إليه في البداية، فعلينا إذا أن نحدد بالضبط هذا الاحتلال الأجنبي حسب روايات المؤرخين، وهنا، أبدي أولا بعض الملاحظات، فالاحتلال الأجنبي نوعان:
(1) الاحتلال الكلي لهذه المنطقة وهو قليل ويشمل في الحقيقة فترة من الاحتلال الروماني تعطي بالتقريب قرنين ونصف قرن من الزمان، والاحتلال الفرنسي الذي يغطي قرنا من الزمان بالتقريب، فجملة الاحتلال الكلي إذا لا تتجاوز أكثر من ثلاثة قرون ونصف قرن أو أربعة قرون على أكثر تقدير.
(2) الاحتلال الجزئي أو النسبي لمنطقة المغرب الذي يشمل:
– وجود قرطاجنة في الشمال الشرقي من المغرب، ولقد دام هذا الاحتلال حوالي أربعة قرون وفي هذه الفترة ظهرت في المناطق الأخرى الواسعة من المغرب دول أصيلة وحضارة قوية نعرف عنها أنها كان يقودها رجال عظماء مثل ماسينيسا ويوغورطه.
-مرور الوندال الذين لم يكن لهم استقرار وتدخل فترتهم في إطار المقاومة، وهذه الفترة شيء لا يذكر، ثم جاء الاحتلال البيزنطي الذي هو كذلك استقرار بالشمال الشرقي من المنطقة ودام فترة تقرب من القرن والنصف، واقترن في الجهات الأخرى من المنطقة بظهور دول أصيلة مثل مملكة مغراوة في الجنوب الغربي من الجزائر والتي استمرت حتى بداية العهد الإسلامي.
3- والملاحظة الثانية هي أن الفترة الإسلامية سواء قبل العهد العثماني أو بعده تعتبر فترة أصيلة لأن الحكم السياسي فيها كان يخضع للعقيدة الإسلامية التي لا تفرِّق بين المسلمين كيفا كان جنسهم.
وهكذا نجد مثلا دولتي بني رستم والأدارسة مبنيتين على هذه القاعدة، فالملك كان لمن يمثل العقيدة حتى لو لم يمكن من أصل محلي، ولكن قوام هذا الملك وعمدته وقوته من السكان الأصليين المنتمين لنفس العقيدة، وكذلك الشأن بالنسبة للعثمانين، وهذا النظام السياسي هو نوع من مميزات الفترة الإسلامية التى هي في الحقيقة من أولها إلى يومنا نظام سياسي أصيل هو منّا ونحن له.
ولنرجع الآن إلى العملية الحسابية التي تفرض علينا أن نأخذ بالاعتبار فقط فترة الاحتلال الكلي التي فقدنا فيها حقيقة استقلالنا كلية وأصبحنا نخضع فيها للأجنبي. وبما أن هذه الفترة تغطى فقط أربعة قرون فإنَّ الفترة التي عشنا فيها أحرارا وأقوياء في نظام سياسي أصيل نابع من حضارة عريقة، هذه الفترة تغطّي أكثر من خمسة وثلاثين قرنا من تاريخنا وهي سبعة أضعاف من فترة الاحتلال.
فالمقارنة بين الفترتين غير متساوية! فكيف إذا يرجح المؤرخون الفترة القصيرة على الفترة الطويلة مع العلم أنه في الفترة القصيرة هذه التي أشرنا إليها كانت تظهر فيها المقاومة وفيها تحتك بالفعل الحضارات ولكن تبقى الحضارة الأصلية محافظة على مميزاتها الأساسية مثل ما نراه اليوم بعد الاحتلال الفرنسي فإن الحضارة الأصلية الجزائرية لم تندثر بعد، بل انتعشت من جديد واسترجعت حيويتها السابقة.
إنّ ظاهرة الاحتلال الأجنبي ظاهرة عامة وليست هناك أمة إلا وقد تعرضت لهذا النوع من الاحتلال، ولكن الغريب في الأمر أن تطغى فترة الاحتلال وتبرز على حساب فترات السيادة الوطنية، إنني أعتقد أنه من واجبنا أن لا نكتفي بالحديث عن المقاومة الجزائرية ولكن نعمل ونجتهد على إبراز وتسليط الضوء من عدة جوانب على فترات السيادة التي هي الأهم والأساس الذى ينبني عليه تاريخنا وتتميز به حضارتنا.
أضرب لهذه الظاهرة بمثل يتعلق بمملكة مغراوة وهي مملكة جزائرية قليلا ما يشير إليها المؤرخون وكانت في الجنوب الغربي من الجزائر وكانت تمتد من واد ملوية إلى قرب بسكرة ولعل مقرها المركزي كان بنواحي تسمسيلت وفرندة الحالية. وهي المملكة للتي عاصرت الاحتلال البيزنطي الذي كان موجودا في منطقة تونس الحالية وقاومتها وصدتها عن احتلال أراضي أخرى. ويذكر ابن خلدون أن ملكها صولات ابن وزمار اتصل بالخليفة عثمان وأسلم وأقره عثمان على الملك ورجع إلى أهله ونشر الإسلام فيهم. الغرابة أننا نتحدث عن الاحتلال البيزنطي ولا نتحدث عن مملكة مغراوة.
وانطلاقا من هذه النقطة التي شرحتها أمامكم فإنَّ الميزة الأساسية في الفترة الإسلامية من تاريخنا هي الجهد المبذول من صانعي هذا التاريخ للحفاظ على السيادة الوطنية، في ظل تعاليم الدين الإسلامي ومع هذا البعد الإسلامي.
وهذا ما نلمسه عند دراستنا للأحقاب المختلفة التي مر عليها هذا التاريخ. إذا أخذنا مثلا دولة بني رستم أو دولة الأدارسة نجد فيهما معا الطابع القومي والطابع الإسلامي مع المحاولة الأولى للتوفيق بينهما وهو نظام سياسي أصيل، قاعدته عصبية محلية هي قوته المكلفة بالحفاظ عليه ومظهره الملك المشخص عن الخليفة أو الإمام الذي يعبر عن العقيدة الدينية سواء كانت شيعية أو سنة أو من الخوارج، وفي هذا النوع من النظام تحتضن دائما العصبية المحلية إماما أجنبيا عنها وتلتحم معه لتكوّن ملكا كما يشرح ذلك المؤرخ ابن خلدون.
وهذه الميزة وجدناها كذلك عند قبيلة كتامة عندما التحمت مع الشيعي عبد الله ولعل هذا الموقف يظهر خاصة في طور من المسيرة التاريخية يطغى عليها نوع من الضعف أو التفكك العصبي ولعل هذا ما يفسر الفترة العثمانية من تاريخنا إذ فيها يظهر من جديد هذا النوع من النظام السياسي مع قلب في أوضاعه وهو أن القوة كانت بأيدي العثمانين وكان استعمالها للحفاظ على الكيان الإسلامي المهدد من طرف الأجنبي من وراء البحر فالتشابه تام في النظام السياسي لهذه الفترات التي ذكرتها الآن، والتي تكون فيه العصبيات المختلفة ملتحمة ومتماسكة كيفما كان العامل المحرك لها فإن النظام السياسي يكون متكاملا منسجما بين الوازع الديني والسيادة الوطنية أو المحلية. وهذا ما نجده في دول صنهاجة ومصمودة وزناته. ولعل أكثر مثال دلالة هو دولة الموحدين التي شملت جميع المغرب وأعطت للحضارة نموذجا فريدا في نوعه من النظام السياسي المحكم.
هذه مساهمتي المتواضعة المختصرة في تطهير تاريخنا والمجال يبقى واسعا أمام المؤرخين الجزائريين. وأعتقد أن الشرط الأساسي المطلوب مسبقا لكتابة هذا التاريخ هو الاقتناع أولا بوجوده مثل وجود تاریخ غيره من الأمم، وثانيا بعظمة هذا التاريخ بدون نقصان ولا زيادة، وثالثا بالضرورة الملحة لتطهيره وكتابته».