الافتتاحية

شبابنا والتحدّيات -الواقع والآمال-

أ.د. عبد المجيد بيرم
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

إنّ الشباب هم السواعد التي تنهض بها الأمة، ومطمح آمالها، والحديث عن هذه الفئة هو حديث عن مستقبل الأمّة، ودرعها الواقي، وحصنها الحامي، فـــ ‘الشباب في كل أمّة هم الدم الجديد الضامن لحياتها واستمرار وجودها، وهم الامتداد الصحيح لتاريخها، وهم الورثة الحافظون لمآثرها، وهم المصححون لأغلاطها وأوضاعها المنحرفة، وهم الحاملون لخصائصها إلى من بعدهم من الأجيال’ الابراهيمي 4/120

بين الترقيع والرؤية الكلية
لقد أدرك واضعو المخططات الاستراتيجية في المخابر والمراكز البحثية في الغرب منذ مرحلة مبكرة أهمية الشباب، فهم الفئة التي تصنع التغيير في المجتمعات، لذلك وجّهوا اهتمامهم في بلدانهم نحو المؤسسات التربوية، ومؤسسات التنمية الاجتماعية، تأطيرا وتطويرا، وتعزيزا للبعد القومي والوطني، وفقا لمخططاتها، ورؤيتها المستقبلية لتحقق أهدافها من خلالهم.
وفي المقابل توجهوا إلى الأمم الأخرى، فعمدوا إلى شبابها من خلال خطط استهدفت كلّ فئة منهم، بحسب استعداداتهم، فأضحت مجتمعاتنا مشاتل تهيئ الشباب المتفوق الطّموح لبذل ثمرات عقولهم، فتسربت المادّة الرمادية من كلّ منفذ، لهذا الغرب، وفتحوا باب الآمال واسعا لأرباب الصنائع منهم، حتّى يبذلوا زهرة أعمارهم لهذه البلدان؛ وهم إلى جانب هذا يضخّون في هذه المجتمعات الهرمة روحا جديدة من خلال أجيال تولد بعيدة عن بلادها وقيمها، وبقيت فئة منهم مرابطة في بلادنا؛ وهي تحاول من خلال هؤلاء، وأولئك أن تحدث اختراقا لمجتمعاتنا، وإذا لم يكن هؤلاء الشباب على قدر من الوعي والادراك لتلك المخططات فإنهم سيكونون حتما فريسة سهلة، سواء عن وعي أو عن غير وعي، وحينئذ يكونون الأداة التي يحقق بها الأعداء أهدافهم ويحققون مشاريعهم.
إنّ التحديات الكبرى التي نعيشها من جراء النقلة النوعية في عالم الاتصال والتكنولوجيا والتغيرات السريعة التي تجري في العالم وفي محيطنا الإقليمي وتأثيراتها على مجتمعاتنا، تجعل من تكاتف الجهود، وتكامل الأدوار ضرورة ملحّة، للقيام بما يجب في مواجهتها لإعداد جيل واعٍ، متشبع بالقيم.
وأيّ مشروع لا يُكتب له النجاح إلّا إذا أخذ بعين الاعتبار العوامل المؤثرة سواء كانت ظاهرة أو مستترة، مباشرة أو غير مباشرة، ومن هنا كان اعتماد الرؤية الكلية المنطلق السليم الذي يمنحنا القدرة على إدراك حقيقة المشكلة ومعالجتها بنجاعة، ولأنّ الاهتمام بهذه الفئة هو اهتمام بالمجتمع والوطن والأمة، كان لزاما أن يبدأ منذ طفولتهم إلى مرحلة الشباب..

حاجتنا لتوحيد الجهد وتحديد الوِجهة
والتساؤل عن الجهات المخول إليها تأطير الوعي المجتمعي لدى الشباب في المجتمع مهم جدا، وذلك للوقوف على مدى إدراك كل جهة في المجتمع لدورها في تحقيق هذه الغاية، من أجل الوفاء بمستلزمات المرحلة، واستدراك النقص الذي قد يتخلل هذا الدور، والأمر الآخر هو القيام بعملية تشبيك بين الرسمي والأهلي ، وما بين الأهلي والأهلي، الذي يعدّ رأس مال اجتماعي في تمتين الجبهة الداخلية للمجتمع ، والارتقاء به.
ولتحقيق الهدف المشترك بين كل الفاعلين الاجتماعيين في المجتمع، هيئات وأفراد وأولياء للنهوض بشبابنا … وتحصين الوعي وتعزيز الروح الوطنية في ناشئتنا.
وهنا تطفو جملة من الأسئلة هل هيأنا الوالدين لإنشاء محضن مناسب لقيام هذه الأسرة بواجب التنشئة السليمة؟ وهل الأولياء مدركون المهام الموكلة إليهم في هذا الشأن؟، ثم تأتي المؤسسة الثانية التي تحتضن هذا النشء؛ المدرسة بجميع مراحلها، هل استوفت الشروط الموضوعية للاضطلاع بهذه المهمة؟ في الجانب المادي والمعنوي وفي الأولوية في المشروع التنموي وفي التأطير والمناهج، ثمُّ هل المقررات الدراسية في شتى مراحل التعليم تنهض بهذا الدور فتغرس الوعي في نفوسهم وتقوي المناعة لديهم، وتبني شخصيتهم وتحقق طموحاتهم وتجعل منهم رجال الغد .
وهل بدء الأسبوع في مدارسنا بالنشيد الوطني كاف لتنمية الحس الوطني في النفوس؟، إنّ الاتجاهات الجديدة في التربية والتعليم تجعل زيارة المتاحف والمؤسسات الاجتماعية، والمصانع، وكذا الترفيه الهادف جزءا لا يتجزأ من برامجها، فهل أهّلنا المدرسة لتكون مكانا لتفتح المواهب وتنمية المدارك وتنوير العقول، وغرس القيم والفضائل والأخلاق الحميدة؟
ثمّ يأتي الخطاب الديني والإعلامي والسياسي، هل يفي خطاب هذه المؤسسات بحاجات الشباب، ويلمس آمالهم وتوجساتهم، ومخاوفهم، وهل يحقّق الانسجام بحيث يتجه وجهة موحدة لا تناقض ولا تعارض بينها؟، والأمر ذاته ينطبق على الجانبين الثقافي والرياضي، وغيرها من الهيئات القائمة في المجتمع.
و أمّا البحث عن الجهة المسؤولة لمواجهة مخاطر التي يشكلها تحدي العصر ‘الفضاء المفتوح’ الذي دخل بيوتنا، رغما عنّا دون استئذان، واخترق حدودنا دون أي حاجز يوقفه، فهو الخطر الداهم الذي حلّ بالعالم أجمع، وتفاوتت الدول في مواجهته والحدّ من خطورته، فهي مسؤولية الجميع ، كل في
موقعه.
وبهذه المناسبة أَسُوق تجارب في بعض ولاياتنا التي اهتمت شُعب جمعية العلماء فيها بالناشئة فوفرت لهم أنشطة جوارية مع تشجيعات وفتحت لهم المجال في إجراء المسابقات العلمية والثقافية وحفظ القرآن الكريم ، فكانت النتائج طيبة، فإلى جانب الخلق وحسن السلوك والتوازن النفسي تحصل الكثيرون والكثيرات على معدلات عالية في البكالوريا تخول لهم اختيار أي تخصص يرغبون به، بسبب الجدية والاجتهاد في الدراسة، ومن النماذج أيضا جهود إخوتنا الإباضية في إنشاء مؤسسات تهدف إلى تكوين فرد يجمع بين النجاح الشخصي، وتحقيق النفع لمجتمعه، فبتعميم مثل هذه التجارب نستطيع حماية مجتمعنا وشبابنا من المخاطر والمخططات التي تستهدفه من قوى الاستعمار بأساليبه المتعددة، ونكون بذلك قد قمنا بتعزيز الجبهة الداخلية وتقوية المناعة الذاتية في نفوس الشباب تفكيرا وسلوكا .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com